الايمان كله عمل والقول والإذعان أيضا من العمل سيما بملاحظة ما ورد في خصوص الخمر وانه يعمل في ايمان الرجل ما يعمل من الأفكار ولعل مراده عن الأمر بالتأمل ما ذكرناه وقال الفيض (قده) في توجيه هذا التشنيع على المؤمنين ما خلاصته بأن هذه الآية نزلت ولم يستقر حرمة الخمر بعد والا كان تهجينا لهم واما بعد استقرار التحريم على نحو الجزم فلا يصلح ان يخاطبوا بمثل هذا الخطاب وهو عجيب منه مع حذاقته ودقته في النظر وقد افتى موسى بن جعفر (ع) في جواب مهدي العباسي استنادا الى الآيتين في سورة البقرة ٢١٩ والأعراف ٣٣ بالتحريم الجزمي وبالجملة لا بد من الالتزام بلزوم هذا التشنيع والتهجين والذي ذكروه من التوجيهات لا ينفع في الجواب ويؤيد ما ذكرناه أيضا ما رواه العياشي في تفسيره عن الحلبي قال سألته عن قول الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية قال (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) الى ان قال وليس كما يصف كثير من الناس يزعمون ان المؤمنين يسكرون من الشراب والمؤمن لا يشرب مسكرا ولا يسكر والذي يترجح في النظر ان المراد من السكر هو سكر النوم والنهي الوارد لا يستفاد منها الا الحكم الوصفي وهو اشتراط صحة الصلاة بكونهم غافلين شاعرين لا الحكم التكليفي وعلى ذلك عدة من الروايات المصرحة بأن المراد سكر النوم وهي كافية في صحة تقييد العموم أو الإطلاق وما يقابله من المرسلات والضعاف لا يقاوم ما ذكرناه فلا بد من طرح ما يخالفه ويقابله أو تأويله وتوجيهه والعمل بما ذكرناه كما لا يخفى فان قيل فأي مانع لشموله النوم والخمر أيضا قلت لا يمكن فإن النهي عن سكر النوم شرط في صحة الصلاة وحكم وضعي والنهي عن الصلاة تحريم التلبس بالصلاة سكرانا نعم لا مانع من تعميمه بغير الخمر من المرقدات وغيرها ان لم يكن لحن الروايات المفسرة لحن الاختصاص.
قوله تعالى (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) اي لا تقربوها جنبا قيل الضمير إلى الصلاة وقوله تعالى (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) اي مسافرين مع اشتراط التيمم بحسب أدلة أخرى وضعف في المجمع هذا الوجه وان عنوان المسافر والمرضى قد ذكر في ذيل الآية مع كمال العناية بهما والتوضيح لأحكامهما فالقول به في صدر الآية مع انه لا دليل عليه ولا اشعار به مستلزم للتكرار وقيل ان المراد مواضع الصلاة والالتزام بإضماره واضع هناك أهون من إضمار التيمم في الوجه الأول وفي كلمات بعض الأعيان ان القول بأن المقصود في المقام هي مواضع الصلاة وان كان مخالفا للظاهر الا انه لا بأس بالالتزام به لمكان دلالة الروايات المعتبرة على ذلك. أقول : وأحسن ما قيل في هذا الباب ما ذكره الجزائري نقلا عن الصفي الحلي (قده) في كتاب الصناعات البديعية وهو أن يكون المراد في صدر الآية معناها الحقيقي ويراد بها عند قوله تعالى (وَلا جُنُباً) مواضعها الغالبة اعني المساجد وهذا نوع ثالث للاستخدام وعدم شهرة هذا النوع بين المتأخرين من أهل المعاني والبيان غير ضار فان صاحب