في بيان القول الثاني وبطلان ما قيل في تحريمه أيضا.
ثم انهم استشكلوا في توجيه الخطاب الى السكران حيث لا يعقل فلا يعقل الخطاب وأجاب بعضهم ان المراد من السكر التمثيل وهو ما لم يبلغ الى حد يزيل العقل وأجيب تارة بأنه بسوء اختياره جعل نفسه بحيث لا يعقل الخطاب فهو مأخوذ بالخطاب فان الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار والحق في الجواب ان ما ذكره من الجوابين على فرض كون القضية شخصية واما إذا قلنا ان القضية حقيقية مفروضة فلا يلزم الاشكال المذكور كما لا يخفى. القول الثاني ان المراد من السكر سكر النوم لا سكر الخمر توضيح ذلك ان القائل بأن المراد هو سكر الخمر أخذ بمفهومه البدوي العوامي حسب ما استأنس به الأذهان العامية وحمل اللفظ عليه اقتراحا بلا دليل وحمل النهي الوارد على النهي التحريمي والحكم التكليفي وهذا الدعوى باطل في حد نفسه بحسب مقام الثبوت فلا يحتاج إلى إبطاله في مرحلة الإثبات واما القائل بأنه سكر النوم وغلبة النفاس أخذ بمفهومه العام الشامل لجميع أنواع السكر ولا يدعي التبادر في سكر النوم ولا يدعي التجوز فيه بخصوصية وقيام قرينة على المجاز بل يدعى ان المنهي عنه عام مخصص ومرجع دعواه الى تخصيص العام وتقييد المطلق فالمنهي نوع خاص من العام أو المطلق بحسب الدليل الشرعي وهذه الدعوى أمر معقول في حد نفسه وبحسب مقام الثبوت فيجب الأخذ به لو قام عليه دليل في مقام الإثبات قال في أقرب الموارد سكر الإناء سكرا ملأه والنهر سد فاه ـ والريح سكورا وسكرانا سكنت بعد الهبوب ـ وعينه تحيرت وسكنت عن النظر ـ والحر والحار فتر ـ سكر الباب وسكره سده ـ سكرت أبصارنا مجهولا الى أن قال ولهم علي سكر. اي غضب شديد الى ان قال سكر سكرانا نقيض صحى انتهى ما أردناه وصرح ببعض ما ذكره في القاموس فالقدر المسلم عن هذه المعاني إذا نسب إلى الإنسان انسداد مشاعره وعروض حالة تعترض بين الإنسان وعقله ودركه قال تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (حجر ٧٢) قال تعالى (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) (حجر ١٥) قال تعالى (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) (ق ١٩) قال تعالى (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) فارادة واحدة من هذه المعاني وترك ما سواه يحتاج الى دليل ومخصص بخصوصها فالقرينة العامية على انه لم يرد سكر الشراب تشريفهم بخطاب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وبعد التصريح في أية سورة البقرة بأن في الخمر اثم كبير وصرح في الأعراف وهي مكية بأن الله حرم الإثم في قوله تعالى (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) (الأعراف ٣٢) فلا يلائم ولا يناسب بأن المؤمنين يسكرون وفي هذا تهجين وإزراء عليهم قال المحقق الأردبيلي (قده) وفي الآية دلالة على عدم خروج المؤمن عن الايمان بشرب الخمر فتأمل فيه انتهى أقول ما ذكره (قده) في غاية الضعف سيما بناء على مفاد الأدلة القوية ان