وزعموا ان الصحابة وخاصة عمر بن الخطاب لم يفهموا من الآيات المنع والتحريم الى ان نزلت الآية في سورة المائدة وقالوا ان الخمر كان حلالا بمكة يشربونها الصحابة نم نزل التحريم ونسخت الإباحة تدريجا وكانوا يستثقلون امتثاله وطاعته فلذلك نسخت الحلية تدريجا بالتحريم التدريجي فالآية المبحوثة عنها دالة على جواز شربها وتحريمها في حال الصلاة فنسخت بالآيات الدالة على التحريم. وفيه : أولا ان حرمة الخمر فمن المستقلات العقلية والآيات التي وردت في تحريمها انما وردت بلحن التذكر وبيان المفاسد لا بعنوان التعبد المولوي الشرعي فأول آية أعلنت بتحريمها قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) الآية (بقرة ٢١٩) والإثم في اللغة الجنابة وهو في عداد الفواحش والمنكرات والقول بغير علم والشرك بالله قال تعالى (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) الآية (الأعراف (٣٣) وكذلك قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الآية (مائدة ٩٠) فهي ناصة على انها في عداد الأزلام والأنصاب وانها صد عن سبيل الله وعن ذكر الله ـ الى آخره ـ وفي صريح روايات أئمة أهل البيت انه ما بعث الله نبيا الا بتحريم الخمر. وثانيا : مع قطع النظر عما ذكرنا من التحريم الواقعي فلا معنى للنسخ أيضا فإن آية التحريم في سورة البقرة وآية الحلية في سورة النساء وهي متأخرة عن البقرة نزولا ومن عجيب ما قيل في المقام حين نزل التحريم في سورة البقرة قال عمر : اللهم انزل علينا بيانا شافيا ولما قرأ عليه قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) ـ الى آخره ـ قال اللهم انزل علينا في الخمر بيانا شافيا ولما نزلت الآية في سورة المائدة إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال اللهم انتهينا. فانظر واقض العجب كيف انزل الله القرآن باقتراح عمر ولو كان له فقه بآيات القرآن يفهم التحريم من الآية في سورة البقرة ولو كانت في الآيات إبهام وإجمال لوجب عليه الاستيضاح من رسول الله (ص) وهو (ص) مبين وناطق عن الله وشارح لكلام الله فلا يصح له أن يقترح على الله في تشريع الأحكام وبيانها فتبين مما ذكرنا ان ما قيل في الآية المبحوثة انها منسوخة بآيات التحريم في نهاية الوهن والسقوط لما عرفت من التحريم الواقعي أولا والآية في البقرة نزلت قبلها وعرفت انها لو سلم ان هذه الآية قبل آية البقرة فلا دلالة فيها على الإباحة فغاية الأمر انها لم تجهر ولم تعلن بتحريمها فكم فرق بين الحلية والإباحة الشرعية من الله وبين عدم الإجهاد وعدم الإبلاغ بتحريمها فغاية ما يقال في تفسير الآية أنها بإطلاقها تدل على تحريم التلبس بالصلاة سكرانا وبطلان صلواته وسيجيء ما فيه أيضا