على مراتب مقامات العابدين المتقين من حيث الايمان والإيقان وهذا هو الحق الذي (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ).
وقد أسلفنا في بحث الوضوء وعباديته ان بعد تحقق العبادية بقصد الأمر وارتباط المأمورية وانتسابه وإضافته إلى المولى الآمر يتحقق الإخلاص بجميع الدواعي التي في طول قصد الأمر ويتحقق الإخلاص بقصد الأمر أيضا فقصد الأمر من بين الدواعي كما انه يتحقق به العبادية يتحقق به الإخلاص أيضا بخلاف الدواعي الأخر فلا يتحقق بها الا قصد الإخلاص فقط فتبين أن الدواعي المذكورة لا ريب في كفاية كل واحد منها في صحة العبادة وتحقق الإخلاص.
(قوله تعالى (لَهُ الدِّينَ)) قالوا الدين بمعنى الجزاء اي مخلصين ما يوجب الجزاء والعبادة وسيجيء تفسير الدين بالمعنى المتعارف الذي يجب التدين به.
قوله تعالى (حُنَفاءَ) الحنيف اي المائل إلى الحق والمعرض عن الباطل وهو حال أيضا من الفاعل اي مخلصا مائلا إلى الحق ومعرضا عن الباطل.
قوله تعالى (وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) إضافة الدين إلى القيمة للاختصاص والموصوف محذوف اي دين الملة القيمة وفي المجمع قال النصر بن شميل سألت الخليل عن هذا يقال القيمة جمع القيم والقيم القائم واحد فالمراد دين القائمين لله بالتوحيد وناقش في ذلك المحقق الأردبيلي وقال يحتمل كون الإضافة بيانية اي وذلك دين الذي هو القيمة.
أقول والإنصاف ان الآية الكريمة أجنبية عما ذكروه من دلالتها على وجوب النية ووجوب الإخلاص فيها بل هي في مقام التوبيخ على الذين أوتوا الكتاب وأنهم ما تفرقوا أو ما اختلفوا (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) وتمت عليهم الحجة في أمر الدين والآية الكريمة في سياق قوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) (الآية) «آل عمران» قال تعالى (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) «البقرة ٢١٢».
فالذين أوتوا الكتاب ما اختلفوا الا بعد البينة وما أمروا بذلك وانما أمروا ان لا يعبدوا الا الله وحده لا شريك له مخلصين في الدين ، الدين هو الإسلام الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله لا يقبل من أحد غيره وهذا الدين هو التوحيد في ذاته تعالى وفي نعوته وكمالاته والتدين به وبما وضع من الشرائع وبما بين من الحقائق وهذا الدين خاص إله سبحانه لا نصيب لأحد فيه لا قليلا ولا كثيرا فيجب الإخلاص بأن الدين لله سبحانه