الآية السابعة
قال تعالى (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) أنفال ١١.
المشهور عند المفسرين ان الآية نزلت في غزوة بدر وقد نزل المشركون على الماء ونزل المسلمون على كثيب تسيخ فيه أقدامهم وهم كانوا على خوف واضطراب حين رأوا كثرة المشركين وعدتهم (بكسر العين) وعدتهم (بضم العين) مع قلة عدتهم وضعف عدتهم وكان لهم فرسان وسبعون جملا يتعاقبون عليها ـ القصة ـ فسلط الله عليهم النعاس وانزل الله الأمن والطمأنينة على قلوبهم واحتلم أكثرهم في تلك الليلة فأنزل الله عليهم من السماء ماء فسالت الوادي وجعل المسلمون الحياض والغدر ان فشربوا واغتسلوا من الجنابة فاطهروا من القذارات وتلبدت الأرض ونبتت عليها أقدامهم.
قوله تعالى (ماءً) الكلام فيه بعينه الكلام في الآية السابقة قوله تعالى (لِيُطَهِّرَكُمْ) الظاهر في الآية بحسب الإطلاق هي الطهارة من الأحداث والأقذار ، والفرق بين هذه الآية وسابقتها أن السابقة ظاهرة في الطاهرية والمطهرية وهذه نص فيهما.
قوله تعالى (رِجْزَ الشَّيْطانِ) الرجز بالضم والكسر القذارة كما في قوله تعالى (الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (المدثر ـ ٥) والشرك والعذاب وعبادة الأوثان والظاهر ان جميع هذه المعاني من مصاديق الرجز وافراده ولا مانع من تعميم الرجز الى جميعها الا ان المورد يتأبى بحسب الظاهر عن صدق الآية وتعميمها الى غير الأحداث والأقذار التي يتطهر منها بالماء.
هذا ان قلنا انه عطف تفسير وتوضيح لقوله تعالى (لِيُطَهِّرَكُمْ) ، وحينئذ يكون المراد من رجز الشيطان الحدث بالجنابة والقذارات الحاصلة بالاحتلام فعليه يترتب ويتفرع قوله تعالى (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) بقوله تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) وهذا هو الظاهر من الآية وقيل المراد من رجز الشيطان العذاب والوسوسة التي يلقيها إليهم ويوجب لهم الحزن والخوف على ما هو المشهور في شأن النزول من تمثل الشيطان لهم فعلى هذا يكون عطفا على قوله تعالى (أَمَنَةً) ومترتبا ومتفرعا على قوله تعالى (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ).
قوله تعالى (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) ربط القلوب إنزال الأمن في قلوبهم وتشجيعها وسكونها بما وعد الله تعالى على رسوله وأوليائه المجاهدين كي يثبتوا في مواقع الطعن والضرب ويصبروا صبر الكرام الأحرار في إعزاز اسم الله الكريم وإعلاء كلمته سبحانه.
قوله تعالى (يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) والظاهر ان الضمير راجع الى الربط اي ربط القلوب ويثبت به أقدام المجاهدين بطمأنينة قلوبهم الزكية وعزيمة نفوسهم الطاهرة