التحريم إرشادية عقلية ومعللة بفساده وقبحه فلا محصل لتوهم إطلاق الرجس إلى النجاسة فالكلام في الأوامر الإرشادية والحقائق التي يعرفها الناس بإرشاد القرآن والتذكر به يدور مدار الأمر المرشد اليه طبق ما ناله العقول فلا إطلاق فيه ولا تقييد والظاهر ان هذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم والله الهادي.
قوله تعالى (وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ) الميسر فسره في القاموس بمطلق القمار وفسره بالنرد وبالأزلام أيضا وذكر المسعودي في مروج الذهب ج ١ ص ٨٠ مبدأ حدوث النرد والشطرنج وشرح فيه ما يتعلق بهما وانه كان دائرا في الأمم القديمة فقد ذكرنا انه لا بد من تقدير المضاف في جميع المذكورات مثلا يقدر اللعب في الميسر والعبادة في الأنصاب كي يكون مبتدأ ويكون الرجس محمولا وخبرا عنه انما الكلام ان المضاف هل هو جميع ما يتعلق بالمذكورات أو أمر خاص مثل ان يقدر اللعب في الميسر أو المعنى الأعم منه ومن غيره مثل بيعه وشرائه وإجارته وصناعته واتخاذه وأمثال ذلك.
مقتضى الإطلاق هو الثاني ودعوى الانصراف إلى الأمور المختصة بكل واحد من المذكورات غير مسموعة فإنه انصراف بدوي عوامي يزول بالتدبر والتأمل فيحرم شرب الخمر وبيعه وشرائه ـ إلخ ـ ويؤيده الإطلاق ويؤكده «والميسر» يحرم اللعب به وصناعته وبيعه ـ إلخ ـ من الروايات الواردة في تفسير الآية ففي بعضها الميسر ما تقوم به وفي بعضها ما تقوم عليه وهو الثقل والرهن الذي بين المتقامرين واجمع من الجميع ما عن تفسير علي بن إبراهيم عن ابي الجارود عن الباقر (ع) قال في قوله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الآية واما الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر واما الأنصاب فالأوثان التي يعبدونها المشركون واما الأزلام فالأقداح التي كانت يستقسم بها مشركوا العرب في الأمور في الجاهلية كل هذا بيعه وشرائه والانتفاع بشيء من هذا حرام محرم من الله وهو (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ). فقرن الله الخمر والميسر مع الأوثان أقول : فيه تصريح بما ذكرنا من تعميم المضاف وأبو الجارود الراوي وان كان مرميا بالضعف الا ان الشيخ (قده) أورد الحديث في متاجره في المكاسب المحرمة من دون تعرض الى ضعفه وبهذا المضمون رواية مرسلة في نور الثقلين ج ١ ص ٥ حديث ٣٤٣ فتحصل ان الميسر المحرم القرين مع عبادة الأصنام بحسب ظاهر الآية جميع أقسام القمار حتى اللعب بالجوز وجميع التقلبات المتعارفة في تلك الآلات المتخذة للقمار واما الأنصاب فهي الأوثان المتخذة من الأحجار وغيرها التي اتخذوها آلهة تعبد من دون الله ليكون لهم شفعاء عند الله سميت بالانصاب لانتصابه للعبادة أو انتصاب الناس عندها للعبادة أو إتعاب الناس أنفسهم في عبادتها ولا كلام في حرمة العبادة إياها انما الكلام في تحريم جميع ما يتعلق بها كما هو مقتضى الإطلاق ففي بعض