الاضطرار إلى المخالفة بحيث لو اضطر إليها لما كان التكليف ثابتا.
فالنتيجة إذا اضطر المكلف إلى بعض الأطراف فالتكليف ساقط بخصوص الطرف المضطر إليه قطعا فلا يشتغل ذمة المكلف به بل يفرغ ذمته عنه ؛ وامّا بالنسبة إلى الطرف الآخر فيكون ثبوت أصل التكليف مشكوكا فيه فلا جرم ينفى بأدلّة البراءة الشرعية والعقلية ، وهذا معنى قوله قدسسره حيث إن فقد المكلف به ليس من حدود التكليف به وقيوده ، وهذا بخلاف الاضطرار إلى تركه.
وعلى طبيعة الحال فانقدح الأمران :
الأوّل : أن المراد من المكلف به في المقام هو الموضوع الذي يتعلّق به فعل المكلف مثل الاناء النجس ، وفعل المكلف هو شربه وهو يتعلّق به.
الثاني : أنّه إذا حصل الاضطرار إلى بعض الأطراف فيكون الاحتياط فعلا أو تركا إلى الطرف الآخر من قبيل الاحتياط في الشبهة البدوية ونحن لا نقول به فيها مطلقا ، أي سواء كانت تحريمية ، أم كانت وجوبية.
فافهم الفرق بين الفقدان والاضطرار والعجز فان هذا الفرق دقيق ، فالتأمّل فيه حقيق جدّا ، إذ لم يقل المولى اجتنب عن الحرام ما دام موجودا ، إذ لا يقين باشتغال الذمة بالتكليف بالمكلف به إلّا إلى حدّ الاضطرار ، اما بخلاف الاضطرار فانّه قال اجتنب عن الحرام إذا لم تضطر إليه.
قوله : الثاني أنّه لما كان النهي عن الشيء إنّما هو لأجل أن يصير داعيا ...
ولا ريب في أنّ النهي عن الشيء إنّما يكون لأجل إيجاد الداعي في نفس المكلف لترك المنهي عنه ، وهذا الايجاد يصحّ إذا لم يكن له داع آخر لتركه كما إذا لم يكن المنهي عنه موردا للابتلاء وفي هذا الفرض يترك المنهي عنه قهرا بلا صدور النهي عن المولى بل يكون صدوره عنه حينئذ لغوا وبلا فائدة ، إذ هو طلب لأمر الحاصل ، فإطلاق المنهي عنه على الشيء الذي لا يكون موردا للابتلاء مجاز بعلاقة