ولما رأى نوح نهاية القصة وقد ختمت بهلاك الكافرين ومنهم ابنه ساورته أحاسيس العطف على ابنه والأسف العميق على نهايته فنادى ربه فقال رب : إن ابني من أهلى ، وقد وعدتني بنجاتهم ، وأن وعدك الحق وقولك الصدق ، وحكمك العدل ، وأنت خير الحاكمين ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟!!
قال الرب ـ سبحانه وتعالى ـ : يا نوح ، إن ابنك ليس من أهلك الذين أمرتك أن تحملهم معك : لما ذا؟!! إنه عمل عملا غير صالح ، وكفر بالله ورسوله ولا ولاية بين مؤمن وكافر مهما كان (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) [سورة الممتحنة آية ٤] وفي قراءة حفص «إنّه عمل غير صالح» كأنه نفس العمل السيّئ مبالغة.
فلا تسألن يا نوح في شيء ليس لك به علم صحيح إنه حق وصواب إنى أعظك وأنصحك أن تكون من الجاهلين يسألون بطلان تشريع الله وقانونه ، وتقديره في خلقه فهو العليم بهم البصير بشأنهم ، ويظهر لي والله أعلم سؤال كان بناء على أنه رأى ابنه في معزل من القوم فظن أنه ربما يكون قد آمن ، ودخل في زمرة أهله ، وقد سهل له هذا ما في الإنسان من غريزة حب الولد ، فنوح ـ عليهالسلام ـ قد أخطأ في الفهم والاجتهاد ، وكان عتاب الله له لأنه نبي وأن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
ولذا قال نوح بعد هذا : ربي. إنى أعوذ بك وبجلالك أن أسألك ما ليس لي به علم صحيح.
وإن لم تغفر لي وترحمني : وتقبل توبتي برحمتك التي وسعت كل شيء أكن من الخاسرين.
فانظر يا أخى وفقك الله إلى أن القرابة والأخوة في الله أقوى من قرابة النسب ، وأن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ، وأن ابن نوح ـ عليهالسلام ـ حين كفر قد حكم الله عليه بأنه ليس من أهله. واعلم أن الإيمان والصلاح لا علاقة له بالوراثة (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [سورة الطور آية ٢١] وأن جزاء الإيمان الصالح من الأعمال يكون في الدنيا غالبا وفي الآخرة حتما.
وقد كان ما كان من قصة نوح مع قومه التي انتهت بنجاة المؤمنين وهلاك الكافرين ،