وأما الغلام الذي قتلته ، واعترضت علىّ بأنى قتلت نفسا زكية طيبة بغير ذنب ولا جريرة فأنت معذور في هذا ، ولكن اعلم أنى قتلته لأن الله أطلعنى على مستقبله ، وأنه إذ بلغ فسيقع في المنكرات ، ويؤذى الأفراد والجماعات وسيتعصب له أبواه وهما مؤمنان ، ويدفعان شر الناس عنه ، ويكذبانهم ، وهذا يسبب لهما الفسوق والعصيان ويجرهما إلى الكفر والطغيان ، وهما المؤمنان الصالحان ، ولكن حب الولد غريزة. فخشينا أن يكلفهما عسرا ، ويدفعهما إلى الطغيان والكفر فقتلته رجاء أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وطهارة ، وأقرب رحمة وعطفا بأبويه.
فأنا لم أعمل سوءا ، وإنما ارتكبت أخف الضررين فقتله ضرر وبقاؤه أضر ، ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
وأما الجدار الذي أقمته ، وتعبت فيه ، بلا سبب ظاهر فها هي ذي قصته : إنه لغلامين يتيمين في المدينة ، وتحته كنز لهما ، وكان أبوهما صالحا ، وصلاح الآباء ينفع الأبناء إلى حد محدود ، فأراد ربك الكريم الذي تعهدك وأنت رضيع وقد ألقتك أمك في البحر ، أراد ربك أن يحفظ لهما الكنز حتى يكبرا ، ويتقلدا أمرهما فأمرنى بإقامة الجدار إذ لو سقط لضاع الكنز ، فكان ذلك رحمة من الله وعطفا ، وهو الرحيم الودود.
وما فعلت ذلك كله عن أمرى واجتهادي ، ولكنه الوحى من الله والتوفيق منه إلى ذلك ، وذلك تأويل وتفسير ما لم تستطع عليه صبرا.
قصة ذي القرنين
وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (٨٣) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً (٨٤) فَأَتْبَعَ سَبَباً (٨٥) حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ