كان صاحب تلك النعم ، كانت عبادته من أوجب الواجبات ... ولكنهم قوم معاندون لم يسمعوا لشعيب بل قالوا : إنما أنت رجل سحرت مرارا حتى فسد عقلك ، وضاع لبك ، على أنك بشر مثلنا ، فكيف تأتيك الرسالة دوننا ، ونحن لا نظنك إلا من الكاذبين وإن كنت صادقا حقا ، وأننا سنعذب لو لم نطعك فأسقط علينا قطعة من السماء تكون دليلا على أنك رسول من قبل الله ولكن الله يعلم ما عندهم ، وقد حكاه بقوله (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور ٤٤].
وقد طمأن شعيب نفسه وقال : لست مكلفا بإدخال الإيمان في قلوبكم ، ولست مكلفا بحسابكم على أعمالكم ، إن على إلا البلاغ ، وربي وربكم يعلم ما تفعلون ، وسيجازيكم على أعمالكم.
وكانت النتيجة أنهم كذبوه وعصوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم ، روى عن ابن عباس : أنه أصابهم حر شديد فأرسل الله ـ سبحانه ـ سحابة فهربوا إليها ليستظلوا بها ، فلما صاروا تحتها صيح بهم فهلكوا جميعا وكان هذا من أعظم أيام في الدنيا عذابا.
إن في ذلك لآية يا كفار مكة لو كنتم تعلمون ، وما كان أكثر قوم شعيب بمؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الذي يعز أولياءه ، وينصرهم ، ويذل أعداءه ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وهو الرحيم بالخلق جميعا إن عاقب أو أثاب ، ولا يتغير قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) الآية تكريرا لأنها سيقت عقب كل قصة ، وفي كل قصة آية وعبرة (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ).
الحديث عن القرآن وموقف المشركين منه
(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ