وإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يحذر الأمة الإسلامية من هذا الداء الوبيل ، ويخاطب قريشا خاصة مهددا لهم بقوله : فذرهم في غمرتهم ، والمعنى فذر هؤلاء القرشيين فهم يشبهون من سبقهم في الكفر والعناد ، ولا يضيق صدرك بتأخير العذاب عنهم فلكل شيء وقت معلوم ، وذرهم في غيهم وضلالهم إلى حين معلوم ، وأجل محدود.
أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا كلا! ليس الأمر كما يتوهمون في قولهم : نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين ، لقد أخطئوا ، وخاب فألهم ، وما علموا أنا نفعل معهم ذلك استدراجا وإملاء لهم ، ولهذا قال الله : بل لا يشعرون (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [التوبة ٥٥] (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران ١٧٨].
يا أيها الناس ليس الإنسان بماله وولده ، وليست كرامته عند الله بالدنيا التي عنده ، ولكن كرامته ومنزلته بالعمل الصالح (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات ١٣].
ومن هذه الآيات نفهم أثر الأكل الحلال في سلوك الإنسان ، وأن الرسل جميعا جاءت لعبادة الواحد القهار ، وأن اختلاف الأمم بعد أنبيائها أمر طبيعي والفوز لمن تمسك بالحق وسار على هدى الكتب السماوية التي لم تحرف كالقرآن وسنة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وأن الكرامة والمكانة عند الله ليست بالمال والولد ، ولكن بالتقوى والعمل الصالح.
المؤمنون المسارعون في عمل الخير
(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٦١) وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢))