ولكن ما تغنى الآيات القرآنية والآيات الكونية عن قوم لا يؤمنون بالله ورسله ، ولم يستخدموا عقولهم فيما خلقت من أجله ، وليس المراد بقوله ـ تعالى ـ فيما مضى (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) المجانين بل الذين لم يستخدموا العقول فيما خلقت له من المعرفة الصادقة والإيمان الكامل فهل ينتظر الذين لم يؤمنوا ، ولم يستفيدوا من الآيات إلا وقائع وحوادث كالتي نزلت بمن مضى من الأقوام السابقين ، وقد مر بك جزء منها في هذه السورة. قل لهم : إذا كان الأمر كذلك فانتظروا إنى معكم من المنتظرين. وفي النهاية قد حكم الله حكما لا راد له أنه سينجى رسله والمؤمنين ، حكم بذلك وقدر ، وقال في كتابه : (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ)(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (١) (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) (٢).
وفي هذه الآية إشارة إلى وجوب النظر في الكون ، والبحث عما فيه للاعتبار ، وتربية الخشية من الله والإيمان به ، وحث على العلم والبحث في الكون ولا غرابة فأنت إذا قلت أن أول ما نزل على نبيك محمد صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (٣) أدركت أن الإسلام دين علم وعمل ، وأن نبيك الأمى هو المعلم الأول.
المبادئ العامة للدعوة الإسلامية
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ
__________________
(١) سورة النساء آية ١٠٣.
(٢) سورة التوبة آية ١١١.
(٣) سورة العلق آية ١.