لم ينفعهم هذا الكلام ، ولم يرضهم هذا الأسلوب بل عدوه إهانة لهم وسبأ لآلهتهم ، وقالوا : لئن لم تنته يا نوح عن سب آلهتنا وتسفيه أحلامنا لتكونن من المرجومين بالحجارة المقتولين شر قتله.
فلما ضاق بهم ذرعا ، واستعصى عليه أمرهم دعا ربه وقال : رب إن قومي كذبوني فاحكم بيني وبينهم حكما عدلا ، ونجنى ومن معى من المؤمنين.
فكان الحكم العدل والقضاء ، الذي لا يرد : أن الله أنجاه ومن معه من المؤمنين أنجاه في الفلك المشحون بالخلق ، وقد مضى ذكرها والكلام عليها في سورة [هود والمؤمنون].
ثم أغرق الله الكافرين مطلقا.
إن في ذلك لآية وأى آية أبلغ من تلك لو كنتم تعلمون يا كفار قريش فهذا نوح دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وما آمنوا به ، بل وقالوا : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ، وها أنتم أولاء يدعوكم نبيكم الصادق الأمين فلم تؤمنوا ، وقلتم (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) [سورة الأنعام آية ٥٣]. وقلتم إن أردت أن نؤمن لك فلا تجلس مع هؤلاء العبيد والخدم.
اتعظوا أيها القوم بما حل بالمشركين قبلكم حينما غضب عليهم نبيهم فقد غرقوا ، ولم ينج إلا نوح والمؤمنون معه ، وابنه لأنه لم يؤمن قد غرق كذلك ، وأما أنت يا محمد فلا تحزن ولا تيئس فالنصر للمؤمنين والهلاك للكافرين ، ونوح دعا قومه مدة من الزمن ومع ذلك ما كان أكثرهم مؤمنين ، وإن ربك لهو العزيز الرحيم.
قصة هود مع قومه
(كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ