المعنى :
هذه هي قصة نوح الذي عاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله ، وترك الشرك وعبادة الأوثان ، ومع ذلك كذبه قومه فقال الله فيهم : كذبت قوم نوح المرسلين ، فإن من كذب رسولا واحدا فقد كذب الكل لأن الرسول يدعو إلى الإيمان بجميع الرسل (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [سورة البقرة آية ٢٨٥].
كذبوا إذ قال لهم أخوهم نوح : ألا تتقون! أتدعون صنما وتذرون أحسن الخالقين ، والله ربكم ورب آبائكم الأولين ، إنى يا قوم لكم رسول أمين في رسالتي صادق في دعواي أنى رسول رب العالمين ، فاتقوا الله ، وأطيعونى ، وإنى لا أرى سببا لعصياني وتكذيبي وأنا أخوكم تعرفون عنى ما تعرفون من شرف النسب وكرم الخلق وصدق الحديث ، وأنا لا أطلب بدعوتي مالا ولا جاها ولا ملكا ، وما أجرى إلا على ربي ، وليس جزائي إلا عنده فما لكم تكفرون؟ فيا قوم اتقوا الله وأطيعونى.
قالوا يا نوح : أنؤمن لك واتبعك الأرذلون؟ لم يجدوا حجة تؤيدهم في ترك الإيمان إلا أنه قد اتبعه ضعاف الناس وفقراء القوم.
يا للعجب! الحياة يوم مكرر ، فقديما وحديثا منع الناس من الإيمان ذلك الفهم السيئ ، وذلك الغرور الكاذب الذي أوقع إبليس في العصيان لأنه اغتر وقال : أأسجد لآدم ، وأنا خير منه خلقتني يا رب من نار وخلقته من طين ، ومنع أشراف قريش من الإيمان بمحمد لأنه آمن به بلال وصهيب وغيرهم من عامة الناس.
وهؤلاء أتباع نوح يقولون : أنؤمن لك ونصدق بك وقد اتبعك الأرذلون أصحاب الحرف الوضيعة. لا يمكن ، نحن أشراف القوم!
فيقول لهم نوح : وما علمي بما كانوا يعملون ، لم أكلف العلم بأعمالهم وأحسابهم وأنسابهم. إنما كلفت بدعواهم للإيمان برب العالمين فاستجابوا لي ، وآمنوا بي بعد إيمانهم بالله وملائكته واليوم الآخر ، وأما أعمالهم فحسابهم على ربي لا علىّ ، يا ليتكم تشعرون بذلك ، لو تشعرون وتعلمون أن حسابهم على ربهم لما عاتبتمونى بصنائعهم ، وما أنا بطارد المؤمنين مهما كانوا من فقر أو ضعف أو رقة حال فالكل سواء ، ولا فضل لأحد إلا بالعمل الصالح ، وما أنا إلا نذير مبين.