على أن مسنى الكبر؟ فبم تبشروني؟ قالوا : يا إبراهيم ، بشرناك بالحق الثابت إذ هو وعد الله الذي لا يتخلف. فلا تكن من القانطين اليائسين فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ولا غرابة في ذلك فالله الذي أوجد ولدا من غير أب وأم قادر على إيجاده من أبوين عجوزين!! قال إبراهيم : ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون المكذبون البعيدون عن طريق الحق والصواب.
ولما علموا أنهم ملائكة وليسوا بشرا حيث أخبروه بأمر خارق للعادة وهو بشراهم بالولد قال لهم : ما خطبكم أيها المرسلون! قالوا : إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ضالين مشركين ، قوم يأتون في ناديهم المنكر ، ويأتون الرجال شهوة من دون النساء!! إنا أرسلنا إلى قوم لوط.
أرسلنا إلى هؤلاء لنهلكهم بالعذاب إلا آل لوط وأتباعه وأهل دينه ، إنا لمنجوهم أجمعين ، ومخلصوهم من ذلك العذاب إلا امرأة لوط كانت من الغابرين قد قضى الله عليها أن تكون من المهلكين ، لأنها كانت تفعل فعلهم ، وتعينهم على قصدهم.
فلما جاء آل لوط المرسلون ، وهم الملائكة ضيف إبراهيم جاءوهم في بلدهم (سدوم) قال لوط : إنكم أيها القادمون قوم منكرون لا أعرفكم وقيل : أنكر حالتهم وخاف عليهم من قومه لما رآهم شبانا مردا حسان الوجوه ، قالوا : يا لوط ، بل جئناك بعذاب قومك وهلاكهم ، وقد كانوا يشكون في مجيئه ، ولا يصدقونك في خبرك ، ونحن قد آتيناك بالحق والأمر الصدق فإنا رسل الحق ـ سبحانه وتعالى ـ وإنا لصادقون في كل ما ادعيناه.
ثم جاءت مرحلة التنفيذ فقالوا له : أسر مع أهلك المؤمنين ببقية من الليل أى : أسر بطائفة من الليل تكفى لتجاوز حدود القرية والبعد عنها واتبع أدبارهم ، وكن من ورائهم لئلا يتخلف منهم أحد. ولا تشغل قلبك بأحد من الكفار المتخلفين منهم ، بل كن ذاكرا لله شاكرا له أن نجاك وأهلك من العذاب ، ولا يلتفت منكم أحد لئلا تروا العذاب وهو نازل بهم فترق قلوبكم لهم ولكن جدوا في المسير وأسرعوا في الهجرة غير ملتفتين إلى من وراءكم ، وامضوا حيث تؤمرون.
وأوحينا إلى لوط ذلك الأمر : أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين : وأوحينا إليه ذلك