المعنى :
ولقد آتينا موسى حين أرسل إلى فرعون وملئه تسع آيات ناطقات بصدقه ، وأنه رسول الله إليهم لينقذ بنى إسرائيل من طغيانهم ، مع هذا لم يؤمن فرعون وقال : إنى أظنك يا موسى رجلا مسحورا قد سحر عقله واختلط عليه أمره فهو لا يدرى ما يقول.
وإن كنت في شك فسل المؤمنين من بنى إسرائيل عن الآيات وقت أن جاءهم بها موسى فسيخبرونك الخبر الحق ، ويكون ذلك أقوى حيث تتظاهر الأدلة.
ولما أنكر فرعون رسالة موسى مع وجود الآيات التسع ـ وفي هذه إشارة إلى أن طلب قريش تلك الآيات السابقة وإجابتهم لها ليس يدفعهم إلى الإيمان فهذا فرعون وما عمل ـ قال موسى له : لقد علمت يا فرعون ما أنزل هذه الآيات إلا رب السموات والأرض حالة كونها بينات وبصائر تهدى الإنسان النظيف الخالي من عمى القلب تهديه إلى الطريق الحق. ولكنك يا فرعون ما أظنك إلا هالكا ممنوعا من الوصول إلى الخير لأن طبعك يأبى عليك ذلك.
وكان ما كان من أمر فرعون وموسى مما ذكر في غير هذه السورة.
فأراد فرعون بعد هذا أن يخرجهم من أرض مصر مطرودين مبعدين فأغرقه الله هو وجنده ، ونجى موسى ومن معه من بنى إسرائيل ، وأورثهم أرضهم وديارهم وقال الله لهم : اسكنوا الأرض التي أراد فرعون أن يخرجكم منها وهذا جزاء كل جبار عنيد فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم مختلطين. ثم نعطى كل إنسان جزاءه إن خيرا فخير وإن شرا فشر.
ثم عاد القرآن إلى الكلام عن نفسه فيقول :
وما أنزلنا هذا القرآن إلا بالحكمة والمصلحة العامة النافعة في الدين والدنيا ، وما نزل إلا متلبسا بالحق والخير في الدنيا والآخرة ، وما أرسلناك يا محمد إلا بشيرا ونذيرا وعلى الله الثواب والعقاب.
وقرآنا فرقناه أى : جعلنا نزله مفرقا منجما تبعا للحوادث والظروف لتقرأه على الناس على مكث وتؤدة ليحفظ في الصدور ، وتعيه النفوس ، ويفهم فهما عمليا تطبيقيا إذ