وعدوكم يا بنى آدم جميعا ، لا يريد لكم إلا كل شر ، ولا يزين لكم إلا كل إثم وبهتان وهو قد عصى ربكم في السجود لآدم ، وعصاه في كل ما أمره به ، أمن الخير أن يطاع هذا الشيطان ، ويسمع لإغوائه في عبادة الأصنام ، وترك عبادة الرحمن؟!
وها هو ذا إبراهيم ـ عليهالسلام ـ يحذر أباه سوء العاقبة ، وينذره بالشر الوبيل فيقول : يا أبت إنى أخاف أن يصيبك عذاب من الرحمن ربك وخالقك فتكون بذلك للشيطان قرينا في النار ، وتكون بهذا وليا له وناصرا.
وفي ذكر الخوف من العذاب والمس له دون الإصابة به ، وتنكير العذاب المفيد للتقليل أدب جم ، وتلطف كريم ليس غريبا على إبراهيم خليل الرحمن.
أما إجابة الكافر الغليظ القلب الجاف فكانت على صورة بشعة حيث قال : أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم؟ لئن لم تنته عن تعرضك للآلهة لأرجمنك وأشتمنك فاحذرنى واهجرني زمنا طويلا ، وابتعد عنى وأنت سالم البدن والعرض.
انظر إلى آزر ، وقد قابل استعطاف إبراهيم ـ عليهالسلام ـ وتلطفه في إرشاده بالفظاظة حيث ناداه باسمه بدل قوله : يا بنى وبدأ الكلام بقوله : أراغب ، للإشارة إلى أن الرغبة عن الآلهة أمر يهمه أكثر من غيره.
وصدره بهمزة الاستفهام المفيدة للإنكار والتعجب وجعلها مسلطة على الرغبة للإشارة إلى أن نفس الرغبة مما ينبغي أن تكون ، وأن الآلهة ما ينبغي أن يرغب عنها عاقل ، ثم بعد هذا هدده بالرجم باللسان أو بالحجارة إن لم يكف عن التعرض لذكر الآلهة بالسوء.
قال إبراهيم إزاء ذلك : مقالة المؤمن الكامل سلام عليك سلام توديع وترك (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [سورة القصص الآية ٥٥] ومع هذا كله فأنت أبى سأستغفر لك ربي ، وأدعو لك بالهداية والتوفيق ، إنه كان بي حفيا بارا لطيفا ، وهو لن يضيعني في سفري ، ولن ينساني أبدا ، وقد كان كذلك.
استغفار إبراهيم لأبيه : الثابت أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ استغفر لأبيه مدة طويلة قيل حتى مات (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) [سورة الشعراء آية ٨٦] ، (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [سورة إبراهيم آية ٤١].