فلما حضر قالوا له : أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فقال لهم إبراهيم : بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ، وفي تلك الإجابة تبكيت لهم ، ولفت لنظرهم ، وإثبات أنه الفاعل دون سواه حيث لم يكن إلا هو الصنم ، والصنم لا يمكنه أن يصدر منه ذلك فثبت أنه هو الفاعل بالدليل ولم يكن قصده نسبة الفعل للصنم مع أنه الفاعل حقيقة.
ولعل نسبة الفعل إلى الصنم من جهة أنه هو الذي غاظه كثيرا فحمله على التكسير فكأنه هو الفاعل للفعل.
فلما حاروا وبهتوا من إجابة إبراهيم ومناقشته لهم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا : إنكم أنتم الظالمون ، ولكن أترى إبليس يتركهم يتوصلون إلى الحق؟! لا بل وسوس لهم وزين حتى أنهم بعد هذا نكسوا على رؤوسهم ورجعوا إلى الباطل يدافعون عنه وينغمسون في حمأته قائلين :
كيف تطلب منا سؤالهم؟ لقد علمت ما هؤلاء ينطقون!! قال إبراهيم مقاطعا ومفحما لهم فيما يتقولون : أتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا من النفع ولا يضركم شيئا من الضرر ، إذ أنه لا يقدر على الكلام أصلا ، ولم يمكنه أن يدفع عن نفسه شيئا؟!!
أف لكم!! ولما تعبدون من دون الله ، أعميتم فلا تعقلون شيئا أبدا؟!!
فلما أعيتهم الحيل كلها في إبراهيم وإسكاته ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت : قالوا : لا ينفعه أبدا إلا الموت ، ولا يريحنا منه إلا إهلاكه ، وليكن هلاكه على أفظع صورة ، وبأقبح شكل ، وهو إحراقه بالنار فإذا تم ذلك كان لكم النصر ولآلهتكم الفوز ، إن كنتم فاعلين شيئا حقا فافعلوا هذا.
ولكن الله ـ سبحانه ـ الذي تكفل لعباده وخاصة الأنبياء بالحفظ والرعاية والكلاءة والمعونة أبى إلا نصر إبراهيم وحفظه من النار التي تذيب الحديد ، وتصهر المعدن والفولاذ.
قال الله : يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم فلم يشعر إبراهيم بشيء أبدا يؤلمه