ولما أدى جداله إلى الضلال ، وكانت عاقبته خسرا ، جعل كأنه غرضه ، ولما كان الهدى في استطاعته ، وتحت سمعه وبصره ، ولكنه تركه وأعرض عنه ، وأقبل على الجدال بالباطل جعل كالخارج من الهدى إلى الضلال وبئس المصير.
وهؤلاء لهم في الدنيا خزي وهلاك ، وهوان وذل ، وفي يوم الجزاء يذوقون عذاب الحريق.
ذلك الجزاء الكامل المناسب بسبب ما قدمته يداه ، وبسبب أنه ـ سبحانه وتعالى ـ الحكم العدل ، وعدله يقتضى معاقبة الفجار ، وإثابة الأبرار : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [سورة النجم آية ٣١] ، وما ربك بظلام للعبيد ، فيما يجازى به كلا على عمله.
صنف آخر أمره عجب!! يعبد الله عبادة ليست صادقة خالصة ، عبادة ليس فيها صدق نية ، ولا إخلاص في الطوية ، عبادة باللسان وترديد في الكلام. لم يدخل الإيمان قلبه ، ولم تخالط بشاشة الدين روحه ، فهو دائم القلق والاضطراب ، كمن يجلس على حرف الجبل وحده لا يهدأ له قرار ، ولا تسكن له نفس.
هؤلاء هم المنافقون ، أو المنافقون صنف منهم ؛ يعبدون الله على خوف وشيك ، فإن أصابه خير من غنيمة ومال ، وزيادة في النسل والإنتاج رضى عن هذا الدين.
وإن امتحن بالبلاء ، واختبر في الضراء بنقص في المال أو الأنفس ، أو هلاك في الثمرات والغلات ينقلب على وجهه ، ويرتد معلنا سخطه وعدم رضاه.
وهؤلاء خسروا الدنيا بما أصابهم ، وخسروا الآخرة إذ لا ثواب لهم على ما أصابهم فإنهم لم يصبروا ولم يحتسبوا.
وذلك هو الخسران الكامل ، والضلال المبين.
ومن ذكر من الكافرين أو المترددين المنافقين ، يدعو من دون الله ما لا يضره ، ولا ينفعه ، وإنما يتمسك ويتجه إلى ما لا يفيد أصلا ، بل لا ينفع نفسه ، وذلك هو الضلال الموغل في الضلالة البعيد جدا عن الصواب.
يدعو من ضره أقرب من نفعه ، إذ هو سبب كفره وعذابه ، لبئس هذا المولى والناصر ولبئس هذا العشير والصاحب.