الضلالة ، وأحييتم الباطل ، وأخلفتم الحق وراء ظهوركم ، وقطعتم الأدنى من أهل بدر ، ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله صلىاللهعليهوآله.
ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم ، لدنا التمحيص للجزاء ، وقرب الوعد ، وانقضت المدّة ، وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ، ولاح لكم القمر المنير ، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة ، واعلموا أنّكم إن اتّبعتم طالع المشرق ، سلك بكم منهاج الرسول صلىاللهعليهوآله ، فتداويتم من العمى والصمم والبكم ، وكفيتم مئونة الطلب والتعسّف ، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ، ولا يبعد الله إلّا من أبى وظلم واعتسف ، وأخذ ما ليس له (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(١).
١٥٦ ـ وبالإسناد عن الحارث الاعور الهمدانيّ ، قال أمير المؤمنين عليهالسلام على المنبر : إذا هلك الخاطب ، وزاغ صاحب العصر ، وبقيت قلوب تتقلّب من مخصب ومجدب ، هلك المتمنون ، واضمحلّ المضمحلّون ، وبقي المؤمنون ، وقليل ما يكونون ، ثلاث مائة أو يزيدون ، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم بدر ، لم تقتل ولم تمت (٢).
بيان : قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «وزاغ صاحب العصر» أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع. ثمّ قال :
«وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب» وهي قلوب الشيعة المتقلّبة عند هذه الغيبة والحيرة ، فمن ثابت منها على الحق مخصب ، ومن عادل عنها إلى الضلال ، وزخرف المحال مجدب.
ثمّ قال :
«هللك المتمنّون» ذمّا لهم ، وهم الّذين يستعجلون أمر الله ، ولا يسلّمون له ، ويستطيلون الأمد ، فيهلكون قبل أن يروا فرجا ، ويبقي الله من يشاء أن يبقيه من أهل الصبر والتسليم حتّى يلحقه بمرتبته ، وهم المؤمنون وهم المخلصون القليلون ، الّذين ذكر أنّهم ثلاثمائة أو يزيدون ممّن يؤهله الله لقوّة إيمانه ، وصحّة يقينه ، لنصرة وليّه ، وجهاد عدوّه ، وهم ـ كما جاءت الرواية ـ عمّاله وحكّامه في الأرض ، عند استقرار الدار ، ووضع
__________________
(١) روضة الكافي ٦٣ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١٢٢ ـ ١٢٤.
(٢) بحار الأنوار ٥٢ / ١٣٧.