الأحوال. فقد بان أنّه لا بدّ من تسليم الوجود والإمامة والغيبة ، إمّا تسليم دين واعتقاد ، ليكشف السائل عن السبب الموجب للاستتار ، وامّا تسليم نظر واحتجاج ، لينظر السائل عن السبب ، إن كان كلامنا في الفرع ملائما للأصل ، وأنّه مستمرّ عليه من غير أن يضادّه وينافيه.
فان قال السائل : أنا اسلّم لك ما ذكرتموه من الأصل لا عن نظر ، إن كان ينتظم معه جوابكم عن الفرع ، فما السبب الآن في غيبة الإمام عليهالسلام؟
فقيل له : أوّل ما نقوله في هذا أنّه ليس يلزمنا معرفة هذا السبب ، ولا يتعيّن علينا الكشف عنه ، ولا يضرّنا عدم العلم به.
والواجب علينا اللازم لنا ، هو أن نعتقد أنّ الإمام الوافر المعصوم الكامل العلوم ، لا يفعل إلّا ما هو موافق للصواب ، وإن لم نعلم الأغراض في أفعاله والأسباب. فسواء ظهر أو استتر ، قام أو قعد ، كلّ ذلك يلزمه فرضه دوننا ، ويتعيّن عليه فعل الواجب فيه سوانا ، وليس يلزمنا علم جميع ما علم ، كما لا يلزمنا فعل جميع ما فعل. وتمسّكنا بالأصل من تصويبه في كلّ فعل ، يغنينا في المعتقد عن العلم بأسباب ما فعل. فإن عرفنا أسباب أفعاله ، كان حسنا ، وإن لم نعلمها لم يقدح ذلك في مذهبنا ، كما أنّه قد ثبت عندنا وعند مخالفينا إصابة رسول الله صلىاللهعليهوآله في جميع أقواله وأفعاله ، والتسليم له والرضا بما يأتي منه ، وإن لم نعرف سببه.
ولو قيل لنا : لم قاتل المشركين على كثرتهم يوم بدر ، وهو في ثلاثمائة من أصحابه وثلاثة عشر ، أكثرهم رجالة ، ومنهم من لا سلاح معه ، ورجع عام الحديبية عن إتمام العمرة ، وهو في العدّة القوية ، ومن معه من المسلمين ثلاثة آلاف وستمائة ، وأعطى سهيل بن عمر جميع مناه ، ودخل تحت حكمه ورضاه ، من محو بسم الله الرحمن الرحيم من الكتاب ، ومحو اسمه من النبوّة ، وإجابته إلى أن يدفع عن المشركين ثلث ثمار المدينة ، وأن يردّ من أتاه ليسلم على يده منهم ، مع ما في هذا من المشقّة العظيمة والمخالفة في الظاهر للشريعة ، لما ألزمنا الجواب عن ذلك أكثر من أنّه أعرف بالمصلحة من الأمّة ، وأنّه لا يفعل هذا إلّا لضرورة يختصّ بعلمها ملجئه ، أو مصلحة تقتضيه ، تكون له معلومة ، وهو