الوافر الكامل الّذي لا يفرّط فيما أمر به.
وليس عدم علمنا بأسباب فعله ضارّا لنا ، ولا قادحا فيما نحن عليه من اعتقادنا وأصلنا. فكذلك قولنا في سبب غيبة إمامنا وصاحب عصرنا وزماننا.
ويشبه هذا أيضا من أصول الشريعة عن السبب في ايلام الاطفال ، وخلق الهوام والمسمومات من الحشائش والأحجار ، ونحو ذلك مما لا يحيط أحد بمعرفة معناه ، ولا يعلم السبب الّذي اقتضاه ، فانّ الواجب أن نردّ ذلك إلى أصله ، ونقول انّ جميعه فعل من ثبت الدليل على حكمته وعدله وتنزّهه عن العيب في شيء من فعله.
وليس عدم علمنا بأسباب هذه الأفعال مع اعتقادنا في الجملة أنّها مطابقة للحكمة والصلاح ؛ بضارّ لنا ، ولا قادح في صحّة أصولنا ، لأنّا لم نكلّف أكثر من العلم بالأصل ، وفي هذا كفاية لمن كان له عقل.
وهكذا أيضا يجري الأمر في الجواب إن توجّه إلينا السؤال عن سبب قعود أمير المؤمنين عليهالسلام عن محاربة أبي بكر وعمر وعثمان ، ولم يقعد عن محاربة من بعدهم من الفرق الثلاث. والأصل في هذا كلّه واحد ، وما ذكرناه فيه كاف للمسترشد.
فإن قال السائل لنا : جميع ما ذكرته ، من أفعال الله عزوجل فلا شبهة في أنّه أعرف بالمصالح فيها ، وأنّ الخلق يعلمون جميع منافعهم ولا يهتدون إليها.
وأمّا النبيّ عليهالسلام وما جرى من أمره عام الحديبية فإنّه علم المصلحة في ذلك بالوحي من الله سبحانه.
فمن أين لإمامكم علم المصلحة في ذلك وهو لا يوحى إليه؟
قيل له : إن كان إمامنا عليهالسلام إماما ، فهو معهود إليه ، قد نصّ له على جميع ما يجب تعويله عليه ، وأخذ ذلك وأمثاله عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ولنا مذهب في الإمام ، وعندنا أنّ الإمام عليهالسلام يصحّ أن يلهم من المصالح والأحكام ما يكون هو المخصوص به دون الأنام.
ثمّ نتبرّع بعد ما ذكرناه بذكر السبب الّذي تقدّم فيه السؤال ، وإن كان غير لازم لنا في الجواب.