فنقول : إنّ السبب في غيبة الإمام عليهالسلام إخافة الظالمين له ، وطلبهم بسفك دمه ، وإعلام الله أنّه متى أبدى شخصه لهم قتلوه ، ومتى قدروا عليه أهلكوه ، فحصل ممنوعا من التصرّف فيما جعل إليه من شرع الإسلام ، وهذه الأمور الّتي هي مردودة إليه ومعوّل في تدبيرها عليه ، فإنّما يلزمه القيام بها بشرط وجود التمكّن والقدرة ، وعدم المنع والحيلولة ، وازالة المخافة على النفس والمهجة ، فمتى لم يكن ذلك فالتقيّة واجبة ، والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة ، لأنّ التحرّز من المضارّ واجب عقلا وسمعا. وقد استتر النبيّ صلىاللهعليهوآله في غار حراء ، ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الأعداء.
فإن قال السائل : إنّ استتار النبيّ صلىاللهعليهوآله كان مقدارا يسيرا لم يمتدّ به الزمان ، وغيبة صاحبكم قد تطاولت بها الأعوام.
قيل له : ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان ، لأنّ الغيبتين جميعا سببهما واحد ، وهي المخافة من الأعداء ، فهما في الحكم سواء ، وإنّما قصر زمان إحداهما لقصر مدة المخافة فيها ، وطول زمان الأخرى لطول زمان المخافة. ولو ضادّت إحداهما الحكمة وأبطلت الاحتجاج ، لكانت كذلك الأخرى.
فان قال : فالأظهر إبداء شخصه ، واقام الحجّة على مخالفيه وإن ادّى إلى قتله.
قيل لهم : إنّ الحجّة في تثبيت إمامته قائمة في الأمّة ، والدلالة على إمامته موجودة ممكنة ، والنصوص من رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن الأئمّة على غيبته مأثورة متّصلة ، فلم يبق بعد ذلك أكثر من مطالبة الخصم لنا بظهوره ليقتل. فهذا غير جائز ، وقد قال الله سبحانه : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(١).
وقال موسى عليهالسلام : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ)(٢).
فإن قال السائل : إنّ في ظهوره تأكيدا لإقامة الحجّة ، وكشفا لما يعترض أكثر الناس في أمره من الشبهة ، فالأوجب ظهوره ، وإن قتل لهذه العلّة.
قيل له : قد قلنا في النهي عن التغرير بالنفس بما فيه الكفاية ، ونحن نأتي بعد ذلك بزيادة فنقول : إنّه ليس كلّما نرى فيه تأكيدا لإقامة الحجّة فإنّ فعله واجب ، ما لم يكن فيه
__________________
(١) البقرة : ١٦٥.
(٢) الشعراء : ٢١.