لطف ومصلحة. ألا ترى إن قائلا قال : لم لم يعاجل الله تعالى العصاة بالعقاب والنقمة ، ويظهر آياته للناس في كلّ يوم وليلة ، حتّى يكون ذلك آكد في اقامته عليهم الحجّة ، أليس كان جوابنا له مثل ما أجبنا في ظهور صاحب الغيبة ، من أنّ ذلك لا يلزم ما لم يفارق وجها معلوما من المصلحة.
وعندنا أنّ الله سبحانه لم يمنعه من الظهور وإن قتل إلّا وقد علم أنّ مصلحة المكلّفين مقصورة على كونه إماما لهم بعينه ، وأن لا يقوم غيره فيها مقامه ، فكذلك أمره بالاستتار في المدّة الّتي علم أنّه متى ظهر فيها قتله الفجّار.
فإن قال الخصم : هلّا أظهره الله تعالى ، وأرسل معه ملائكة تبيد كلّ من أراده بسوء ، وتهلك من قصده بمكروه؟
قيل له : قد سألت الملحدة من مثل هذا السؤال في إرسال الأنبياء عليهمالسلام ، فقالوا : لم لم يبعث الله تعالى معهم من الأملاك من يصدّ عنهم كلّ سوء يقصدهم به العباد؟ فكان الجواب لهم : إنّ المصالح ليست واقعة بحسب تقدير الخلائق ... ، وإنّما هي بحسب المعلوم عند الله عزوجل ، وبعد فانّ اصطلام الله تعالى للعاصين ، ومعاجلته باهلاك ساير الظالمين ، قاطع لنظام التكليف ، وربّما اقتضى ذلك عموم الجماعة بالهلاك ، كما كان في الأمم السابقة في الزمان.
وهو أيضا مانع للقادرين من النظر في زمان الغيبة المؤدّي إلى المعرفة والاجابة ، فقد يصحّ أن يكون فيهم ومنهم في هذه المدّة من ينظر فيعرف الحق ويعتقده ، أو يكون فيهم معاندون مقرّون ، قد علم الله سبحانه أنّهم إن بقوا كان من نسلهم ذريّة صالحة ، فلا يجوز أن يحرمها الوجود بإعدامهم في مقتضى الحكمة ، وليس العاصون في كلّ زمان هذا حكمهم ، وربّما علم ضدّ ذلك منهم ، فاقتضت الحكمة إهلاكهم كما كان في زمن نوح عليهالسلام ، حيث قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً)(١).
فان قال السائل : إنّ آباءه عليهمالسلام قد كانوا أيضا في زمان مخافة وأوقات صعبة ، فلم لم
__________________
(١) نوح : ٢٦ و ٢٧.