قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما.
قال : إنّ موسى ناجى ربّه بالواد المقدّس فقال : يا ربّ إنّي قد أخلصت لك المحبّة منّي ، وغسلت قلبي عمّا سواك ـ وكان شديد الحبّ لأهله ـ فقال الله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) أي انزع حبّ أهلك من قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا.
قلت : فأخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل (كهيعص)(١).
قال : هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زكريّا ، ثمّ قصّها على محمّد صلىاللهعليهوآله ، وذلك أنّ زكريّا سأل ربّه أن يعلّمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل فعلّمه إيّاها ، فكان زكريا إذا ذكر محمّدا وعليّا وفاطمة والحسن والحسين سرى عنه همّه ، وانجلى كربه ، وإذا ذكر الحسين خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة ، فقال ذات يوم : يا إلهي ، ما بالي إذا ذكرت أربعا منهم تسلّيت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تعالى عن قصّته.
وقال : (كهيعص) «فالكاف» اسم كربلاء و «الهاء» هلاك العترة ، و «الياء» يزيد وهو ظالم الحسين عليهالسلام ، و «العين» عطشه ، و «الصاد» صبره.
فلمّا سمع ذلك زكريا لم يفارق مسجده ثلاثة أيّام ومنع فيها الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب ، وكانت ندبته : «إلهي أتفجع خير خلقك بولده ، إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ، إلهي أتلبس عليّا وفاطمة ثياب هذه المصيبة ، إلهي أتحلّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟».
ثمّ كان يقول : «اللهمّ ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله وارثا وصيّا ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنّي بحبّه ، ثمّ فجّعني به كما تفجّع محمّدا حبيبك بولده» فرزقه الله يحيى وفجّعه به ، وكان حمل يحيى ستّة أشهر وحمل الحسين عليهالسلام كذلك ، وله قصّة طويلة.
قلت : فأخبرني يا مولاي عن العلّة الّتي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم.
__________________
(١) مريم : ١.