أيّام الربيع فأخرجني واضرب لي قبّة على شطّ النيل حتّى أتنزّه هذه الأيّام ، فضربت لها قبّة على شطّ النيل ، إذ أقبل التابوت يريدها ، فقالت : هل ترون ما أرى على الماء؟ قالوا : إي والله يا سيّدتنا إنّا لنرى شيئا ، فلمّا دنا منها ثارت إلى الماء فتناولته بيدها ، وكاد الماء يغمرها حتّى تصايحوا عليها ، فجذبته وأخرجته من الماء فأخذته فوضعته في حجرها ، فإذا هو غلام أجمل الناس وأسترهم ، فوقعت عليها منه محبّة ، فوضعته في حجرها وقالت : هذا ابني ، فقالوا : إي والله يا سيّدتنا ، والله ما لك ولد ولا للملك. فاتّخذي هذا ولدا.
فقامت إلى فرعون وقالت : إنّي أصبت غلاما طيّبا حلوا نتّخذه ولدا فيكون قرّة عين لي ولك فلا تقتله ، قال : ومن أين هذا الغلام؟ قالت : والله ما أدري إلّا أنّ الماء جاء به ، فلم تزل به حتّى رضي ، فلمّا سمع الناس أنّ الملك قد تبنّى ابنا لم يبق أحد من رءوس من كان مع فرعون إلّا بعث إليه امرأته لتكون له ظئرا أو تحضنه ، فأبى أن يأخذ من امرأة منهنّ ثديا ، قالت امرأة فرعون : اطلبوا لابني ظئرا ولا تحقّروا أحدا ، فجعل لا يقبل من امرأة منهنّ.
فقالت امّ موسى لاخته قصّيه : انظري أترين له أثرا ، فانطلقت حتّى أتت باب الملك ، فقالت : قد بلغني أنّكم تطلبون ظئرا ، وهاهنا امرأة صالحة تأخذ ولدكم وتكفله لكم ، فقالت : أدخلوها ، فلمّا دخلت قالت لها امرأة فرعون : ممّن أنت؟ قالت : من بني إسرائيل ، قالت : اذهبي يا بنيّة فليس لنا فيك حاجة ، فقلن لها النساء : انظري ـ عافاك الله ـ يقبل أو لا يقبل ، فقالت امرأة فرعون : أرأيتم لو قبل ، هل يرضى فرعون أن يكون الغلام من بني إسرائيل والمرأة من بني إسرائيل ـ يعني الظئر ـ فلا يرضى ، قلن : فانظري يقبل أو لا يقبل ، قالت امرأة فرعون : فاذهبي فادعيها ، فجاءت إلى امّها وقالت : إنّ امرأة الملك تدعوك ، فدخلت عليها فدفع إليها موسى فوضعته في حجرها ، ثمّ ألقمته ثديها فازدحم اللبن في حلقه ، فلمّا رأت امرأة فرعون أنّ ابنها قد قبل ، قامت إلى فرعون فقالت : إنّي قد أصبت لابني ظئرا وقد قبل منها ، فقال : ممّن هي؟ قالت : من بني إسرائيل ، قال فرعون : هذا ممّا لا يكون أبدا ، الغلام من بني إسرائيل والظئر من بني إسرائيل ، فلم تزل تكلّمه فيه وتقول : ما تخاف من هذا الغلام؟ إنّما هو ابنك ينشأ في حجرك حتّى قلبته عن رأيه ورضي.