خصوص ، والمثوبة في العموم أجلّ من المثوبة في الخصوص ، كالتوحيد الّذي هو عموم على عامّة خلق الله يخالف الحجّ والزكاة وسائر أبواب الشرع الّذي هو خصوص ، فقوله عزوجل : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) دلّ على أنّ فيه معنى من معاني التوحيد لما أخرجه مخرج العموم ، والكلمة إذا جاورت الكلمة في معنى ، لزمها ما لزم أختها إذا جمعهما معنى واحد ، ووجه ذلك أنّ الله سبحانه علم أنّ من خلقه من يوحّده ويأتمر بأمره ، وأنّ لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم ، ولو أنّه عزوجل قصر الأيدي عنهم جبرا وقهرا ، لبطلت الحكمة وثبت الاجبار رأسا ، وبطل الثواب والعقاب والعبادات. ولمّا استحال ذلك ، وجب أن يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل به ومعه العبادات والمثوبات ، فكان الوجه في ذلك إقامة الحدود كالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق ، كما قيل : «ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن» وقد نطق بمثله قوله عزوجل : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ)(١) فوجب أن ينصب عزوجل خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصحّ به ومعه الولاية ، لأنّه لا ولاية مع من أغفل الحقوق وضيّع الواجبات ووجب خلعه في العقول. جلّ الله تعالى عن ذلك.
والخليفة اسم مشترك ، لأنّه لو أنّ رجلا بنى مسجدا ولم يؤذّن فيه ونصب فيه مؤذّنا ، كان مؤذنه ، فأمّا إذا أذّن فيه أيّاما ثمّ نصب فيه مؤذّنا ، كان خليفته ، وكذلك الصورة في العقول والمعارف ، متى قال البندار : هذا خليفتي ، كان خليفته على البندرة لا على البريد والمظالم ، فكذلك القول في صاحبي البريد والمظالم ، فثبت أنّ الخليفة من الأسماء المشتركة ، فكان من صفة الله تعالى ذكره الانتصاف لأوليائه من أعدائه ، فوكّل من ذلك معنى إلى خليفته. فلهذا الشأن استحقّ معنى الخليفة دون معنى أن يتّخذ شريكا معبودا مع الله سبحانه ، ولهذا من الشأن قال الله تبارك وتعالى لابليس : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ) ثمّ قال عزوجل (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ)(٢) وذلك أنّه يقطع العذر ولا يوهم أنّه خليفة شارك الله في وحدته ، فقال : بعد ما عرفت أنّه خلق الله ، ما منعك تسجد ، ثمّ قال : (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) واليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة ، وقد كان لله عزوجل عليه
__________________
(١) الحشر : ١٣.
(٢) ص : ٧٥.