وأضمره حتّى صار به منافقا ، وذلك أنّه أضمر أنّه يخالفه متى استعبد بالطاعة له ، فكان نفاقه أنكر النفاق ، لأنّه نفاق بظهر الغيب ، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلهم ، ولما عرّف الله عزوجل ملائكته ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه ، فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان ، فصار لهم من الرتبة عشرة أضعاف ما استحقّ عدوّ الله من الخزي والخسار ، فالطاعة والموالاة بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح ، لأنّه أبعد من الشبهة والمغالطة ، ولهذا روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «من دعا لأخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء : ولك مثلاه».
وانّ الله تبارك وتعالى أكّد دينه بالإيمان بالغيب فقال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(١) فالايمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه ، لأنه خلو من كل عيب وريب ، لأنّ بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهّم على المبايع أنّه إنّما يطيع رغبة في خير أو مال ، أو رهبة من قتل أو غير ذلك ممّا هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم ، وإيمان الغيب مأمون من ذلك كلّه ، ومحروس من معايبه بأصله ، يدلّ على ذلك قول الله عزوجل : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ* فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(٢) ولمّا حصل للمتعبد ما حصل من الإيمان بالغيب ، لم يحرم الله عزوجل ذلك ملائكته ، فقد جاء في الخبر أنّ الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام. وكان يحصل في هذه المدّة الطاعة للملائكة على قدرها. ولو انكر منكر هذا الخبر والوقت والأعوام ، لم يجد بدّا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة ، والساعة الواحدة لا تتعرّى من حكمة ما ، وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان وفي الساعات حكم ، وما زاد في الوقت إلّا زاد في المثوبة ، وما زاد في المثوبة إلّا كشف عن الرحمة ، ودل على الجلالة ، فصحّ الخبر أنّ فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجّة.
وفي قول الله عزوجل : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) حجّة في غيبة الإمام عليهالسلام من أوجه كثيرة :
أحدها أنّ الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلّها ، وذلك أنّ الملائكة ما شاهدوا قبل
__________________
(١) البقرة : ٢.
(٢) المؤمن : ٨٥.