ذلك خليفة قط ، وأمّا نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الأخبار حتّى صارت كالمشاهدة ، والملائكة لم يشهدوا واحدا منهم ، فكانت تلك الغيبة أبلغ.
وآخر : أنّها كانت غيبة من الله عزوجل ، وهذه الغيبة الّتي للإمام عليهالسلام هي من قبل أعداء الله تعالى ، فإذا كان في الغيبة الّتي هي من الله عزوجل عبادة لملائكته ، فما الظنّ بالغيبة الّتي هي من أعداء الله.
وفي غيبة الإمام عبادة مخلصة لم تكن في تلك الغيبة ، وذلك أنّ الإمام الغائب عليهالسلام مقموع مقهور مزاحم في حقه ، قد غلب قهرا وجرى على شيعته قسرا من أعداء الله ما جرى ، من سفك الدماء ونهب الأموال وإبطال الأحكام والجور على الأيتام وتبديل الصدقات وغير ذلك ممّا لا خفاء به ، ومن اعتقد موالاته ، شاركه في أجره وجهاده ، وتبرّأ من أعدائه ، وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجر ، وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عزوجل على الإيمان بالإمام المغيّب في العدم ، وإنّما قصّ الله عزوجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ، ليستعبد له الملائكة ويتشمّروا لطاعته.
وإنّما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنّه قادم عليهم ، حتّى يتهيّئوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إن قصّروا في خدمته ، كذلك بدأ الله عزوجل بذكر نبئه إبانة عن جلالته ورتبته ، وكذلك قضيّته في السلف والخلف ، فما قبض خليفة إلّا عرّف خلقه الخليفة الّذي يتلوه ، وتصديق ذلك قوله عزوجل : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) ـ الآية (١) والّذي على بيّنة من ربّه محمّد صلىاللهعليهوآله ، والشاهد الّذي يتلوه عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهالسلام ، دلالته قوله عزوجل : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً)(٢) والكلمة ـ من كتاب موسى المحاذية لهذا المعنى حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ـ قوله : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ
__________________
(١) هود : ١٧.
(٢) هود : ١٧.