فضحك القاسم وقال له : اتمّ الآية : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ومولاي هو المرتضى من الرسول ، وقال : قد علمت أنّك تقول هذا ، ولكن أرّخ اليوم ، فإن أنا عشت بعد هذا اليوم المؤرّخ في هذا الكتاب ، فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا متّ فانظر لنفسك!
فورّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا ، وختم القاسم يوم السابع من ورود الكتاب ، واشتدّت به في ذلك اليوم العلّة ، واستند في فراشه إلى الحائط ، وكان ابنه الحسن بن القاسم مدمنا على شرب الخمر ، وكان متزوّجا إلى أبي جعفر بن حمدون الهمدانيّ ، وكان جالسا ورداؤه مستور على وجهه في ناحية من الدار وأبو حامد في ناحية ، وأبو عليّ بن جحدر وأنا وجماعة من أهل البلد نبكي ، إذا اتّكأ القاسم على يديه إلى خلف ، وجعل يقول : يا محمّد يا عليّ يا حسن يا حسين يا مواليّ كونوا شفعائي إلى الله عزوجل ، وقالها الثانية. وقالها الثالثة ، فلمّا بلغ في الثالثة : يا موسى يا عليّ ، تفرقعت أجفان عينيه كما يفرقع الصبيان شقائق النعمان ، وانتفخت حدقته ، وجعل يمسح بكمّه عينيه ، وخرج من عينيه شبيه بماء اللحم ، ثمّ مدّ طرفه إلى ابنه فقال : يا حسن إليّ يا با حامد إليّ يا با عليّ ، فاجتمعنا حوله ونظرنا إلى الحدقتين صحيحتين ، فقال له أبو حامد : تراني ، وجعل يده على كلّ واحد منّا.
وشاع الخبر في الناس والعامّة وأتاه الناس من العوام ينظرون إليه.
وركب القاضي إليه ، وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعوديّ ، وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه ، فقال له : يا أبا محمّد ما هذا الّذي بيدي ، وأراه خاتما فصّه فيروزج فقرّبه منه ، فقال : عليه ثلاثة أسطر ، فتناوله القاسم رحمهالله فلم يمكنه قراءته ، فخرج الناس متعجّبين يتحدّثون بخبره.
إلى أن قال : فلمّا كان في يوم الأربعين وقد طلع الفجر ، مات القاسم ؛ ، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا وهو يصيح : وا سيّداه ، فاستعظم الناس ذلك منه ، وجعل الناس يقولون : ما الّذي تفعل بذلك؟ فقال : اسكتوا ، فقد رأيت ما لم تروه ، وتشيّع ورجع عمّا كان عليه ، ووقّف الكثير من ضياعه (١).
__________________
(١) بحار الأنوار ٥١ / ٣١٣ ـ ٣١٦.