إلى جانبه ، فأكلنا وغسّلنا أيدينا ، فقام الرجل فأخرج كتابا أفضل من النصف المدرج فناوله القاسم ، فأخذه وقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له : ابن أبي سلمة ، فأخذه أبو عبد الله ففضّه وقرأه حتّى أحسّ القاسم بنكاية ، فقال : يا با عبد الله خير ، فقال : خير ، فقال : ويحك خرج فيّ شيء؟ فقال أبو عبد الله : ما تكره فلا ، قال القاسم : فما هو؟ قال : نعي الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما وقد حمل إليه سبعة أثواب ، فقال القاسم : في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك ، فضحك ؛ فقال : ما اؤمّل بعد هذا العمر؟
فقال الرجل الوارد ، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر وحبرة يمانية حمراء وعمامة وثوبين ومنديلا ، فأخذه القاسم ، وكان عنده قميص خلعه عليه مولانا الرضا أبو الحسن عليهالسلام ، وكان له صديق يقال له عبد الرحمن بن محمّد السنيزيّ ، وكان شديد النصب ، وكان بينه وبين القاسم نضّر الله وجهه مودّة في امور الدنيا شديدة ، وكان القاسم يؤدّه ، وقد كان عبد الرحمن وافى إلى الدار لإصلاح بين أبي جعفر بن حمدون الهمدانيّ وبين ختنه ابن القاسم.
فقال القاسم لشيخين من مشايخنا المقيمين معه ، أحدهما يقال له : أبو حامد عمران بن المفلّس والآخر أبو عليّ بن جحدر : أن اقرءا هذا الكتاب عبد الرحمن بن محمّد فإنّي احبّ هدايته ، وأرجو أن يهديه الله بقراءة هذا الكتاب ، فقالا له : الله الله الله فإنّ هذا الكتاب لا يحتمل ما فيه خلق من الشيعة ، فكيف عبد الرحمن بن محمّد؟ فقال : أنا أعلم أنّي مفش لسرّ لا يجوز لي إعلانه ، لكن من محبّتي لعبد الرحمن بن محمّد وشهوتي أن يهديه الله عزوجل لهذا الأمر هو ذا أقرئه الكتاب.
فلمّا مرّ ذلك اليوم ـ وكان يوم الخميس لثلاث عشرة خلت من رجب ـ دخل عبد الرحمن بن محمّد وسلّم عليه ، فأخرج القاسم الكتاب فقال له : اقرأ هذا الكتاب وانظر لنفسك ، فقرأ عبد الرحمن الكتاب ، فلمّا بلغ إلى موضع النعي رمى الكتاب عن يده ، وقال للقاسم : يا أبا محمّد ، اتّق الله فإنّك رجل فاضل في دينك ، متمكّن من عقلك ، والله عزوجل يقول : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)(١) وقال : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً)(٢).
__________________
(١) لقمان : ٣٤.
(٢) الجنّ : ٢٦.