رجل صحفيّ فقد صدق! قرأت صحف آبائي ابراهيم وموسى ، فقلت : ومن له بمثل تلك الصحف.
قال : فما لبثت أن طرق الباب طارق وكان عنده جماعة من أصحابه ، فقال الغلام : انظر من ذا ، فرجع الغلام فقال : أبو حنيفة ، قال : أدخله ، فدخل فسلّم على أبي عبد الله عليهالسلام فردّ عليه ثمّ قال : أصلحك الله ، أتأذن لي في القعود؟ فأقبل عليهالسلام على أصحابه يحدّثهم ولم يلتفت اليه ، ثمّ قال الثانية والثالثة فلم يلتفت اليه ، فجلس ابو حنيفة من غير اذنه ، فلمّا علم أنّه قد جلس التفت اليه فقال : أين أبو حنيفة؟ فقيل : هو ذا أصلحك الله.
فقال : أنت فقيه أهل العراق؟ قال : نعم ، قال : فبما تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله.
قال : يا أبا حنيفة ، تعرف كتاب الله حقّ معرفته وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال : نعم. قال : يا أبا حنيفة لقد ادّعيت علما ، ويلك ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم ، ويلك ولا هو إلّا عند الخاصّ من ذرّية نبيّنا صلىاللهعليهوآله ما ورّثك الله من كتابه حرفا ، فإن كنت كما تقول ـ ولست كما تقول ـ فأخبرني عن قول الله عزوجل : (سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) أين ذلك من الأرض؟
قال : أحسبه ما بين مكّة والمدينة.
فالتفت أبو عبد الله عليهالسلام إلى أصحابه فقال : تعلمون أنّ الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكّة فتؤخذ أموالهم ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا : نعم. قال : فسكت أبو حنيفة.
فقال : يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً)(١) أين ذلك من الأرض؟ قال : الكعبة.
قال : أفتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها؟ قال : فسكت ، ثمّ قال له : يا أبا حنيفة ، إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنّة كيف تصنع؟ فقال : أصلحك الله أقيس وأعلم فيه
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.