برأيي ، قال : يا أبا حنيفة ، إن أوّل من قاس ابليس الملعون ، قاس على ربّنا تبارك وتعالى فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(١) فسكت أبو حنيفة.
فقال : يا أبا حنيفة ، أيّما أرجس ، البول أو الجنابة؟ فقال : البول ، فقال : فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول؟ فسكت.
فقال : يا أبا حنيفة ، أيّما أفضل الصلاة أم الصوم؟ قال : الصلاة ، قال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟ فسكت.
فقال : يا أبا حنيفة ، أخبرني عن رجل كانت له أمّ ولد وله منها ابنة ، وكانت له حرّة لا تلد فزارت الصبيّة بنت أمّ الولد أباها ، فقام الرجل بعد فراغه من صلاة الفجر ، فواقع أهله الّتي لا تلد وخرج الى الحمّام فأرادت الحرّة أن تكيد أمّ الولد وابنتها عند الرجل ، فقامت إليها بحرارة ذلك الماء فوقعت عليها وهي نائمة ، فعالجتها كما يعالج الرجل المرأة ، فعلقت ، أيّ شيء عندك فيها؟ قال : لا والله ما عندي فيها شيء.
فقال : يا أبا حنيفة ، أخبرني عن رجل كانت له جارية ، فزوّجها من مملوك له وغاب المملوك ، فولد له من أهله مولود ، وولد للمملوك مولد من أمّ ولد له ، فسقط البيت على الجاريتين ومات المولى ، من الوارث؟ فقال : جعلت فداك ، لا والله ما عندي فيها شيء.
فقال أبو حنيفة : أصلحك الله أنّ عندنا قوما بالكوفة يزعمون أنّك تأمرهم بالبراءة من فلان وفلان وفلان!
فقال : ويلك يا أبا حنيفة لم يكن هذا ، معاذ الله.
فقال : أصلحك الله إنّهم يعظمون الأمر فيهما ، قال : فما تأمرني؟ قال : تكتب اليهم ، قال : بما ذا؟ قال : تسألهم الكفّ عنهما ، قال : لا يطيعوني ، قال : بلى أصلحك الله إذا كنت أنت الكاتب وأنا الرّسول أطاعوني.
قال : يا أبا حنيفة أبيت إلّا جهلا ، كم بيني وبين الكوفة من الفراسخ؟ قال : أصلحك الله ما لا يحصى ، فقال : كم بيني وبينك؟ قال : لا شيء ، قال : أنت دخلت عليّ في منزلي فاستأذنت في الجلوس ثلاث مرات فلم آذن لك ، فجلست بغير إذني خلافا عليّ ، كيف
__________________
(١) الأعراف : ١٢.