ثمّ التفت عن يمينه فقال : كم بينكم وبين الأبلة؟
فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وامّي أربعة فراسخ.
قال له : صدقت ، فو الّذي بعث محمّدا وأكرمه بالنبوّة وخصّه بالرسالة وعجّل بروحه إلى الجنّة ، لقد سمعت منه كما تسمعون منّي أن قال : يا عليّ هل علمت أنّ بين الّتي تسمّى البصرة والّتي تسمّى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في الّتي تسمّى الأبلة موضع أصحاب العشور ، يقتل في ذلك الموضع من امّتي سبعون ألفا ، شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر.
فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وامّي؟
قال : يقتلهم إخوان الجنّ ، وهم جيل كأنّهم الشياطين سود ألوانهم ، منتنة أرواحهم ، شديد كلبهم ، قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم فهم أذلّة عند المتكبّرين من أهل ذلك الزمان ، مجهولون في الأرض ، معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكّانها والأرض وسكّانها ، ثمّ هملت عيناه بالبكاء ثمّ قال : ويحك يا بصرة من جيش لا هرج له ولا حسّ.
قال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الّذي يصيبهم من قبل الغرق ممّا ذكرت ، وما الويح ، وما الويل؟
فقال : هما بابان ، فالويح باب الرحمة ، والويل باب العذاب ، يا ابن الجارود نعم ، ثارات عظيمة ، منها عصبة يقتل بعضها بعضا ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال ، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحا ، يا ويل أمرهنّ ، حديث عجب ، منها أن يستحلّ بها الدجّال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والاخرى كأنّها ممزوجة بالدم ، لكأنّها في الحمرة علقة ، ناتئ الحدقة كهيئة حبّة العنب الطافية على الماء ، فيتبعه من أهلها عدّة من قتل بالأبلة من الشهداء ، أنا جيلهم في صدورهم ، يقتل من يقتل ، ويهرب من يهرب ، ثمّ رجف ، ثمّ قذف ، ثمّ خسف ، ثمّ مسخ ، ثمّ الجوع الأغبر ، ثمّ الموت الأحمر وهو الغرق.
يا منذر ، إنّ للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأوّل لا يعلمها إلّا العلماء ، منها الخريبة ، ومنها تدمر ، ومنها المؤتفكة.