دخل له بالعذاب الأخروي ولكن لا يخفى انّ استحقاق عذاب الدّنيا بعد استحقاق عذاب الآخرة فلو كان المراد بالاضلال الخذلان فى الدنيا لكان مسبوقا بالخذلان فى الاخرى فانّ الخذلان فى الاولى انّما يكون بهتك العصم او نزول النقم او تغيّر النعم وحبس الدعاء ونزول البلاء وقطع الرّجاء والابتلاء بالقسوة والغفلة ومتابعة الهوى ونحو ذلك والذّنوب الموجبة لها موجبة للعذاب الاليم والنّار الحريق بالاتّفاق الّا مع سبق التوبة ويشهد بهذا الآيات والرّوايات فلا وجه للقول بان توقّف الاضلال بمعنى الخذلان على البيان لا يستلزم توقّف العقوبة الأخرويّة عليه هذا مضافا الى التّمسك بالفحوى بان يقال انّ العقاب الدنيوى وهو الخذلان الّذى هو اخفّ بمراتب من العذاب فى الآخرة اذا كان موقوفا على البيان كان عدم العقاب الاخروى فى صورة عدم البيان بالاولويّة ثمّ انّ وجه الأضعفيّة غير معلوم لانّ العذاب والاضلال ان كانا بالنّسبة الى الآخرة فلا فرق بينهما فى الدّلالة على المقصود وان كانا بالنّسبة الى الدّنيا فلا تفاوت بينهما من حيث عدم الاستلزام للمطلب بالتقريب الّذى قرّره المصنّف الّا ان يقال انّ الظاهر من الإضلال فى خصوص المقام هو الخذلان وهو العقاب الدّنيوى والظّاهر من العذاب فى الآية السّابقة هو الأخروي والإنصاف أنّ التّمسك بالفحوى ومفهوم الموافقة فى المقام فى محلّه.
قوله (ومنها قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ)) يستدلّ بها بانّ الله سبحانه علّل ما قضاه من الهلاك او النجاة بالبيّنة ولا بيّنة على الحكم المجهول حتّى يكون العقاب عليه عن بيّنة والانصاف عدم دلالتها فانّ اللام لو كانت للتعليل لكان لدعوى الدّلالة وجه لكونها حينئذ تكون كالعلّة المنصوصة مفيدة للعموم ولكنّها فى الآية للغاية كما يظهر من سياق ما قبلها وما بعدها فانّ الله سبحانه يبيّن قلّة جنود نبيّه ص وكثرة جنود الكفّار مع تقويته لجنود الاسلام على قلّتهم وتغليبهم على جنود الكفر بكثرتهم ويذكر الغاية المترتّبة ومن الواضح ان لا وجه لتعميم الغاية المترتّبة على فعل فى مورد خاصّ وتسريتها الى غيره من الموارد نعم فى الآية اشعار بالعليّة وانّى هو من الدلالة قوله (ويرد على الكلّ انّ غاية مدلولها الخ) قد يتوهّم انّه اذا علم بالادلّة السمعيّة والعقليّة عدم تعلّق الحرمة بالمشكوك تحريمه واقعا ورفع المؤاخذة والعقاب عنه لو كان حراما واقعا فكيف يمكن ان يكون قابلا لوجوب الاحتياط وثبوت المؤاخذة عليه ولا يكون هذا الّا
منافيا لذاك لا نسبة الاصل والدّليل ويندفع بانّ كلامه قدسسره مبنىّ على انّ مؤدّى ادلّة البراءة هو رفع المؤاخذة عن الحكم المجهول بجميع مراتبه حتّى فى مرحلة الظاهر فلو علم بالحرمة فى الظاهر بمقتضى ادلّة الاحتياط على تقدير تماميّتها ارتفع موضوع ادلّة البراءة لانّ مؤدّى تلك الادلّة هو رفع المؤاخذة عن الحكم الواقع المجهول وسيوضح قدسسره كلامه هذا بقوله والأنصاف ما ذكرنا من انّ الآيات المذكورة الخ.
قوله (فلعلّ نفى جميع الآثار مختصّ بها فتامّل) اختصاص نفى جميع الآثار