فالعقل يحكم بلزوم دفعه علما او ظنّا او احتمالا عقلائيّا بمناط واحد وهو قبح الاقدام على ما لا يؤمن معه من الوقوع فى الضّرر ويكون عدم الامان منه تمام الموضوع لحكمه قوله (المستحيل فى حقّ الحكيم تعالى فتامّل) الظّاهر انّ الامر بالتامّل اشارة الى منع كون زيادة الذّم من المولى وغيره لاجل التشفّى ويحتمل ان يكون اشارة الى انّ المقصود ثبوت الفرق بينهما فى نفسهما ولا ينافى هذه الدّعوى ثبوت الفرق بينهما لاجل التشفّى ايضا وقد يتوهّم فى وجه التامّل انّ هذا التّاييد يكون تاييدا ودليلا للقائل بحرمة التجرّى للاعتراف فيه بثبوت الذّم فيمن لم يصادف قطعه الواقع وان كان الذّم فيه اقلّ بالنّسبة الى من صادف قطعه الواقع وكان الكلام فيما سبق منع الاستحقاق والذّم بالنّسبة الى من لم يصادف رأسا ولكنّه فاسد لأنّ هذا المتوهّم قد تخيّل انّ المذمّة الّتى ادّعى المصنّف ثبوتها فى الحالتين هى المذمّة على الفعل فدعاه هذا التوهّم الى الكلام المذكور مع انّ من الواضح ان غرضه هو المذمّة من حيث الفاعل قوله (وقد يظهر من بعض المعاصرين التّفصيل الخ) هو صاحب الفصول ذكر ذلك فى بحث معذوريّة الجاهل فى باب الاجتهاد والتقليد وحاصله التّفصيل بين ما اذا لم يكن لاصل الفعل مصلحة محسّنة كما اذا اعتقد الخلّ خمرا فتجرّى وشرب وما اذا كان لاصل الفعل مصلحة واقعيّة محسنة كما اذا اعتقد الواجب حراما او الحرام واجبا ففى الاوّل يترتّب الذّم والعقاب على الفعل لسلامة القبح العارض على الفعل عن المعارض وعلى الثّانى لا بدّ من ملاحظة التّرجيح بين الجهتين وذلك لانّ قبح التجرّى ليس ذاتيّا بل يختلف بالوجوه والاعتبارات ويحتمل ان يكون غرضه انّ التجرّى ليس علّة تامّة للقبح بل هو من باب المقتضى واذا كان كذلك فيشترط فى اقتضائه للقبح فقدان المانع كسائر المقتضيات وعلى هذا فيحكم باستحقاق الذّم والعقاب فيما اذا لم يكن لاصل الفعل مصلحة لأجل بعض الوجوه المتقدّمة للقائلين بقبح التجرّى وثبوت العقاب وقد عرفت الجواب عن جميعها وامّا فى غيره فلا بدّ من مراعات التّرجيح بين الجهات الواقعيّة وجهات التجرّى ويرد عليه أن اراد البيان الاوّل أوّلا بعد تسليم كون الحسن والقبح فى بعض الافعال يكون بالوجوه والاعتبارات انّه لا اشكال فى انّهما فى بعض الافعال يكونان ذاتيّا وعلّة تامّة للحكم عند العقل وهو معترف بذلك كما ستطّلع عليه انشاء الله تعالى فى الامر الثّالث عند توضيح كلامه فى توجيه كلام القائل بانّ قطع القطّاع لا اعتبار به وانّ منه التجرّى على المولى فانّه قبيح ذاتا كالتكبّر على الله والظّلم وغير ذلك من العناوين الّتى لا تتغيّر عمّا هى عليها بل هو من اشدّ اقسام الظّلم لانّه ظلم على المولى وفى مقابله الانقياد له سبحانه فكما انّ الانقياد يمتنع ان يعرض له جهة مقبّحة كذلك التجرّى يمتنع ان يعرض له جهة محسّنة فكلّ من يلتزم بصدق المخالفة على الفعل لا بدّ