٤٦ ـ (وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) وعقبنا بعيسى نبيا بعد النبيين الذين كانوا يحكمون بالتوراة (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) وأيضا عيسى كان يحكم بتوراة موسى (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ) شأنه في ذلك شأن الكتب السماوية (وَمُصَدِّقاً) متمما (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) وكرر سبحانه ذلك لنكون على يقين بأن هدف الأنبياء المرسلة والكتب المنزلة واحد ، هو هداية الإنسان وسعادته دنيا وآخرة.
٤٧ ـ (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) ولو حكم كل أهل الكتاب بما فيه حقا بلا تزييف وتحريف لفتح الله عليهم وعلى الناس ، كل الناس ، بركات السماء والأرض ، وعاشوا إخوانا في الدين وغير الدين.
٤٨ ـ (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) القرآن (بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) كل ما أنزل من السماء بلا استثناء (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أي رقيبا على ما سبق القرآن من الكتب السماوية ومميزا بين ما ينسب إلى الله تعالى حقا وصدقا وما ينسب إليه كذبا وافتراء (فَاحْكُمْ) يا محمد (بَيْنَهُمْ) بين أهل الكتاب ، لأن القرآن يحتوي على كل الأديان السماوية ، ولا شيء منها يحتوي على كل ما في القرآن (بِما أَنْزَلَ اللهُ) وبالخصوص توحيد الله والتكاتف والتآلف بين عباده وعياله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) والنبي لا يتبع الهوى وإلا لم يكن نبيا والنهي عن المحرم يسوغ عقلا وعرفا حتى مع العلم بعدم وقوعه لمجرد البيان بأنه من المحرمات ، هذا إلى أن الخطاب من العالي لا يلحظ فيه منزلة المخاطب (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) شريعة في الفروع لا في الأصول والعقيدة (وَمِنْهاجاً) طريقا واضحا يجري عليه (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) وعندئذ نكون كالبهائم والأنعام ، والله سبحانه لا يريدنا كذلك ، بل يريد أن نؤمن عن حرية وقناعة ، وأن نطيعه عن علم ومعرفة وإلا كانت عظمته تعالى محجوبة عن الإنسان.
(وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) أبى الله سبحانه إلا أن يهب للإنسان عقلا به يميز ، وقدرة بها يفعل أو يترك ، وحرية كافية بها يختار ، ليعمل كل على هويته وشاكلته (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) لا الأحقاد والمشاحنات (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) من الآراء والمعتقدات والأعمال والتصرفات.
____________________________________
الإعراب : (بِالْحَقِ) متعلق بمحذوف حال من الكتاب. و (مُصَدِّقاً) حال. و (لِيَبْلُوَكُمْ) منصوب بأن مضمرة بعد اللام ، والمصدر المنسبك مجرور باللام متعلق بمحذوف ، والتقدير فرقكم ليبلوكم.