في الأرض (وَرُهْبانَهُمْ) الذين اعتزلوا الناس في الأديرة للعبادة ، (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ويروى أن عدي بن حاتم قال لرسول الله : لسنا نعبدهم. فقال له : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ قال : بلى. قال النبي (ص) : فتلك عبادتهم.
(وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أي واتخذوا المسيح ربا من دون الله (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لأن الشريك لا يخلو من أحد فرضين : إما أن يسد نقصا ، وهذا ينافي الكمال المطلق ، وإما أن لا يؤثر أثرا ، فيكون وجوده لغوا.
٣٢ ـ (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) نبوة محمد والإسلام (بِأَفْواهِهِمْ) بالكذب والافتراء (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) بانتصار محمد (ص) وانتشار دينه.
٣٣ ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) أي بالإسلام العقلي في عقيدته ، الإلهي في شريعته ، العلمي في تجربته ، الحياتي في تطبيقه (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) لا بالسيف والعنف ، بل بشريعة الخير والحياة (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) ـ ٣٠ النحل».
٣٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) كالرشوة على الحكم بغير الحق ، والربا الذي فشا بين اليهود ، وبيع صكوك الغفران وأذرعا في الجنة عند الكاثوليك ، وفي قاموس الكتاب المقدس «وقد صنعت أصنام كثيرة من الذهب كما صنعت تيجان وسلاسل». (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) على كل غني أن يعلم ويؤمن بأن في أمواله حقا لازما للفقراء والمساكين ، وأن هذا الحق هو أمانة في يده يجب عليه أن يؤديها كاملة لأهلها وإلا فجزاؤه عند الله سبحانه ما نص عليه بقوله :
٣٥ ـ (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) وهذا الوعيد والتهديد الغاضب أقوى وأوضح في الدلالة على ثبوت حق الفقراء في أموال الأغنياء من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ـ ٢٢ المرسلات» وأيضا يدل هذا التهديد على أن للفقراء أو لوليهم الشرعي أن يقاتل الأغنياء لاستيفاء هذا الحق. وفي الدر المنثور للسيوطي وغيره من التفاسير «أن عثمان لما كتب المصاحف أرادوا أن يحذفوا واو العطف من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ ...) كي يختص تحريم الكنز بأهل الكتاب أو بالأحبار والرهبان منهم ، فعارض بعض الصحابة وقال : لتلحقن الواو ، أو لأضعن سيفي على عاتقي فألحقوها ٣٦ ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لا شيء في الوجود مستقل بذاته اسمه شعبان أو نيسان ، أو يوم الاثنين والأحد وإنما الموجود أرض تدور حول نفسها في اليوم وليلته دورة كاملة ، فجزأ الإنسان هذه الدورة إلى ٢٤ جزءا ، واخترع الساعة كرمز إلى دورة الأرض بالثواني والدقائق والساعات المشار إليها بانتقال العقرب من رقم إلى رقم ، ثم أطلق على هذه العملية اسم الزمان الذي قسمه إلى أيام وشهور ، ومعنى