الساعة ، فتنخلع قلوب الخلائق إلا من اتقى وأصلح (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) أذلاء صاغرين.
٨٨ ـ (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) قال الإمام عليّ (ع) : «بسط الأرض على الهواء ... ورفعها بغير دعائم ... وعدل حركاتها بالراسيات» أي بالجبال ، فالجبال تتحرك بحركة الأرض ، وحركة الأرض تستقيم وتنتظم بواسطة الجبال. وقال حفيده الإمام جعفر الصادق (ع) : إن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك وتحرك الأرض. أنظر نهج البلاغة وكتاب الهيئة والإسلام للسيد الشهرستاني. والذي يقرأ أحاديث أهل البيت (ع) ويتتبع آثارهم يجد الكثير من حقائق العلم التي ينسب اكتشافها إلى علماء متأخرين عن أهل البيت ألف عام أو أكثر (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ونرى هذه الصنعة الدقيقة المحكمة في الذرة الصغيرة والمجرة الكبيرة ، وهي تترجم ترجمة كاملة وواضحة عن وجود الصانع وعظمته ، فالويل لمن جحد وعاند.
٨٩ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) وفي الآية ١٦٠ من الأنعام (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ولا غرابة فإن من سنة خالق الخلق الإفضال على عباده ، وللحسنة عند الله سبحانه مظهران : الأول كف الأذى عن الناس ، وهو الأصل والشرط الأساس في كل حسنة ، وبدونه لا إحسان ولا حسنات ، قال عزّ من قائل : (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) ٢٦٣ البقرة» وأوضح من هذه الآية في الدلالة ما جاء بعدها بلا فاصل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) حيث دلت على أن الأذى يحبط الأعمال تماما كالكفر والارتداد المظهر الثاني للحسنة كل ما فيه للناس نفع وصلاح من غير أذى فهو حسنة.
٩٠ ـ (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بلا حسنة إطلاقا أو رجحت سيئاته على حسناته (فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) وهم لا يظلمون.
٩١ ـ (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) المراد بالبلدة مكة المكرمة ، وأضافها سبحانه إلى نفسه تعظيما لها ، ووصفها بالتحريم لأن من دخلها كان آمنا ومن انتهك حرمتها كان ظالما (وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ) ولا أحد يملك معه أي شيء حتى نفسه (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي أن أدعو إلى الإسلام ، لأني أرسلت من أجل هذه الدعوة ونشرها والجهاد في سبيلها ، والدليل على إرادة هذا المعنى قوله بلا فاصل :
٩٢ ـ (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) داعيا إلى العمل بموجبه والسير على نهجه (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ) تماما كغيري من الرسل الأولين ، عليّ البلاغ ، وعلى الله الحساب.
٩٣ ـ (سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) ستنشرون من القبور ، وتحشرون إلى الحساب ، وعندئذ تعرفون ما أنكرتم ، وتندمون على ما فرطتم ، والحمد لله الذي لا يضيع عمل عامل ، ولا يستنفذه سؤال سائل. والصلاة على أشرف الخلق وآله الأطهار.