٤٥ ـ (اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) القرآن ، وتقدم في الآية ٢٧ من الكهف (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) لتشريع وجوب الصلاة علة وحكمة ، وعلة الوجوب مشيئة الله وكفى ، أما الحكمة منه فهي أن يبتعد المصلي في جميع تصرفاته ومقاصده عن الفحشاء والمنكر أي عن الحرام بشتى أنواعه ، ومعنى هذا أن الانتهاء عن المنكر حكمة لوجوب الصلاة في عالم التشريع لا لوجود الصلاة في الخارج ، فمن صلى وانتهى يسقط عنه وجوب الصلاة ويثاب عليها أيضا ، ومن صلّى ولم ينته يسقط عنه الفرض قطعا ، أما الثواب فبعلم الله ، تقول هذا علما بأن الفقهاء ربطوا بين الثواب على الصلاة ، والتوجه إليها فكرا وقلبا لا بين الثواب والانتهاء (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) أي ذكر الله تعالى للمصلي بالرضا والأجر أكبر من ذكر المصلي لله في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ، ومثله قوله تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ـ ١٥٢ البقرة».
٤٦ ـ (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أهل الكتاب : اليهود والنصارى ، والأحسن : الأصلح والأنجح الذي يقرب ولا يبعد ، ويبشر ولا ينفر ، وإنما خصّ سبحانه أهل الكتاب بالذكر علما بأن الأسلوب هو المطلوب من غير قيد لأن المفروض في أهل الكتاب أن يتقبلوا الحق ما داموا يؤمنون بالله واليوم الآخر كما يزعمون (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهم الذين إذا سمعوا القول لا يتبعون أحسنه تعنتا وتعصبا. فهؤلاء لا يسوغ الحديث معهم بحال (وَقُولُوا) أيها المسلمون لأهل الكتاب : (آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ...) لما ذا التعصب والتباغض؟ فعلى الصعيد الإنساني نحن وأنتم سواء في الحقوق والواجبات ، أما على الصعيد الديني فكلنا نؤمن بوحي السماء. هكذا ينظر الإسلام إلى أهل الكتاب نظرة التسامح والإخاء لا نظرة التعصب والعداء ، وشهد بذلك العديد من أقطاب المسيحيين المنصفين منهم «جيدر بامات» في كتابه مجالي الإسلام تعريف عادل زعيتر ، فقد جاء في الفصل الثاني نظرة في مذهب الإسلام «من النادر أن لاقى دين ما لاقى الإسلام من جحود وتشويه من المبشرات البالغة الغلظة والمقترحات البالغة الوقاحة حول محمد وتعاليمه ... مع العلم بأن المسلمين منعوا من أن يمس النصارى بسوء ، وتركوا المغلوبين أحرارا في المحافظة على دينهم ، ولما صار الصليبيون سادة ذبحوا المسلمين بلا رحمة».
٤٧ ـ (وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أي كما أنزلنا على من قبلك من الرسل كذلك أنزلنا عليك يا محمد هذا القرآن (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يريد سبحانه العلماء المنصفين من أهل الكتاب (يُؤْمِنُونَ بِهِ) يصدقون كل ما جاء في القرآن (وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ) هؤلاء إشارة إلى مشركي قريش فقد أسلم بعضهم عن صدق وإخلاص.
٤٨ ـ (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) هل يخطر على ذهن عاقل بأن هذا القرآن من إنشاء محمد وفيه من الحقائق والعلوم ما يجهله محمد وغيره قبل نزول القرآن إضافة إلى أنه لا يقرأ ولا يكتب كي يتشدق ويتحذلق جاهل سافل بأن محمدا قرأ ونقل بقلمه من أسفار الأولين.
٤٩ ـ (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهم محمد وأهل بيته (ص) الذين هم خزنة علمه ، والعلماء المتمسكون بعروته.