الدخول في ولاية العهد فماذا يمكن أن يحدث ؟ فبغض النظر عن القتل الذي ينتظره سوف يفتح باباً من البلاء على أتباعه وأهل بيته من القتل والمطاردة والتضييق وما إلى ذلك. أضف إلى ذلك أنه لو قتل ـ على أكثر الاحتمالات ـ فستتعرض إمامة ولده الجواد وهو صغير إلى مخاطر جدية وهي في بدايتها ، وعليه بات من السهل أن ندرك أن الإمام عليهالسلام كان يوازن بين المعطيات والنتائج المترتبة على القبول والرفض ، واضعاً المصلحة الإسلامية العليا نصب عينه ، فرجح القبول على الرفض.
ولا بد من الفات النظر إلى أن الإمام عليهالسلام كان لايتمكن أن يصرح بالعلة التامة لقبوله ولاية العهد حرصاً على عدم كشفها للطرف الآخر وتحمل تبعات ذلك ، ولكنه استعمل أسلوباً بارعاً في تعليله للقبول ، وهو أسلوب « السوابق التاريخية » وترك للسامع أن يستنتج بنفسه ما تتضمّنه من دلالات وما يكتنفها من ايحاءات ، وخير شاهد على ذلك ما جاء عن محمد بن عرفة ، قال قلت للرضا عليهالسلام : يابن رسول الله ، ما حملك على الدخول في ولاية العهد ؟ فقال : « ما حمل جدي أمير المؤمنين عليهالسلام على الدخول في الشورى » (١).
كان عليهالسلام يضع المصلحة العليا للإسلام في جميع مواقفه ، وكان يطور موقفه حسب الظروف المحيطه به وفق هامش المناورة المتاح له. ولذا نجد أن موقفه الأول من العرض هو الإباء الشديد والرفض ، واعتل بعلل كثيرة ، فمازال المأمون يكاتبه ويسأله حتى علم أنه لايكف عنه. وهناك شهادة مهمة لابي الصلت الهروي وكان من أقرب المقربين للإمام عليهالسلام أقسم
________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٥٢ ، ح ٤ ، باب (٤٠).