الاخرى ، وينال من علمائها والقائمين عليها. وكان أئمة أهل البيت عليهمالسلام في هذا العصر ينتقدون مدرسة الرأي والقياس بشدة ، ويؤكدون على أن القياس من فعل إبليس. وكان الإمام الرضا عليهالسلام ينشر آراء مدرسة أهل البيت عليهمالسلام العقائدية منها والفقهية ، وكان في فترة ولاية العهد يعقد المؤتمرات والندوات في تعبيرنا المعاصر ، يروى أن المأمون جمع علماء الملل والنحل مثل الجاثليق ورأس الجالوت ورؤساء الصابئة والنصارى والمتكلم سليمان المروزي ، فكان الإمام الرضا عليهالسلام يدحض حججهم ويصحح مفاهيمهم الخاطئة ، وينشر الوعي الإيماني حتى أسلم على يديه بعض الملاحدة والنصارى (١). وكانت شهرته قد طبقت الآفاق ، وغدا شخصه العظيم حديث الساعة حينئذ ، ومحط اهتمام العلماء لغزارة علمه ومتانة استدلاله ، وقد حفظ لنا التاريخ روائع رضوية كثيرة في هذا المجال. هذا وفي الوقت الذي كان فيه المأمون العباسي يقوم بترجمة ونشر الفلسفة اليونانية ، كان الإمام الرضا عليهالسلام يقوم بنشر الثقافة القرآنية الخالصة ، فقد كان جوابه كله وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد (٢).
وعموماً كان عصره (سلام الله عليه) عصر الجدل والنظر والبحث ، وبتعبير معاصر عصر « التعددية الثقافية » فقد حاور الإمام عليهالسلام ـ كما سيأتي في الفصل الخامس ـ أهل الملل والنحل والأهواء وعلماء المذاهب الاسلامية. وعلى العكس من الجو السياسي السيء والمضطرب ، الذي عاصره الإمام عليهالسلام كان الجو الثقافي يمتاز بالتفتح النسبي ، ملائماً للحوار
________________
(١) انظر : أعيان الشيعة ٢ : ١٤.
(٢) انظر : الأنوار البهية : ١٧٩.