وكذلك الأمر فيما لو زرع زرعا للمولّى عليه لإيصال النفع إليه ، ولكن من باب الاتّفاق بواسطة حوادث الجوّ فسد ذلك الزرع ، أو صار حاصل ذلك الزرع رخيصا وقليل الفائدة ، بحيث لم يف بنصف ما صرف في ذلك الزرع ، فلا ضمان على الوليّ ، لأنّه كان محسنا في ذلك الفعل.
وكذلك لو أجر سفينته أو أباعرة وجماله للركوب أو للحمل ونقل المتاع من مكان إلى مكان آخر ، فغرقت السفينة ، أو تلفت الأباعر والجمال ، فلا ضمان على الوليّ ، كما ذكرنا من أنّه محسن في هذا الفعل ، وقد نفى الله سبحانه وتعالى السبيل على المحسنين ، وقد تقدّم أنّ موارد تطبيق هذه القاعدة كثيرة ، ولا يمكن استقصاؤها واستيفاؤها تماما.
وقد أورد بعضهم ها هنا إيرادا ، وهو أنّ الفقهاء ـ قدّس الله أسرارهم ـ ذكروا في باب اللقطة أنّ الملتقط بعد اليأس عن إيصال المال إلى صاحبه يتصدّق بذلك المال عن طرف صاحبه المجهول ، لأنّ هذا أيضا نحو إيصال إلى المالك وإحسان إليه ، ومع ذلك حكموا بأنّه ضامن للمالك إن ظهر وعلم به بعد أن تصدّق ، وهذا الحكم منهم مناف لعموم هذه القاعدة.
ولكن يمكن أن يجاب عنه بأنّ الشارع حكم بجواز التصدّق مع الضمان إن ظهر صاحبه ، والتصدّق إحسان بهذا القيد ، وإلاّ فصرف التصدّق بدون أن يكون في البين ضمان ـ على تقدير ظهور صاحبه وتبيّنه ـ يكون إحسانا مشكل.
وهذا الحكم ليس مختصّا باللقطة ، بل قالوا به في كلّ ما هو مجهول المالك ، كما لو وقعت في يده الأموال المسروقة أو المغصوبة التي لا يعلم صاحبها ، فبعد اليأس عن الإيصال إلى صاحبها يجب عليه أن يعطيها صدقة بشرط ضمانها لو ظهر صاحبها أو أصحابها.
والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.