ولكنّ الأولى أن يقال : ويشترط في الواقف أن يكون جائز التصرّف ، وأن يكون مختارا غير مكره عليه ، لأنّ البلوغ وكمال العقل مندرج في جواز التصرّف ، فيتفرّع على جواز التصرّف أن يكون بالغا ، لأنّه لا يجوز أمر الصبيّ حتّى يحتلم ، وأن لا يكون مجنونا ، لأنّه لا يجوز أمره حتّى يفيق ، وأن لا يكون محجورا عليه بفلس أو سفه ، وأن لا يكون عبدا بدون إذن مولاه ، لعدم نفوذ أمر العبد بدون إذن مولاه ، وهو بنفسه ( لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ ) و ( كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ ).
ويتفرّع على اشتراط الاختيار أن لا يكون في وقفه مكرها مع عدم لحوق الرضا أوّلا : للإجماع ، وثانيا : لحديث الرفع (١) ، كما أنّ الإكراه مع عدم لحوق الرضا موجب لبطلان سائر عقوده وإيقاعاته كبيعه وهبته وصلحه وطلاقه وعتقه ، وذلك كلّه للإجماع المحصّل الذي لم يخالف أحد ولحديث الرفع ، ولأنّه « لا يحلّ مال امرء مسلم إلاّ بطيب نفسه » (٢).
ولا شكّ في أنّ صدور الوقف عن المالك مع الإكراه وعدم لحوق الرضا به مرجعه إلى أنّ أكل الموقوف عليه لماله يكون من غير طيب نفسه. وأمّا بناء على ما قاله الشهيدان بل العلاّمة قدسسرهم (٣) من عدم قصد المكره إلى وقوع مضمون العقد في الخارج فالأمر أوضح.
هذا فيما إذا لم يلحقه الرضا ، وأمّا فيما لحقه الرضا ، فإن كان وجه فساد عقد المكره وإيقاعه عدم القصد إلى وقوع مضمونه في الخارج ـ وأنّ العقود تابعة للقصود ، ففيه : أنّ القصد المعتبر في العقود هو أن يكون قصدا لإنشاء المعنى باللفظ ، فإن كان المراد
__________________
(١) « الكافي » ج ٢ ، ص ٣٣٥ ، باب ما رفع عن الأمة ، ح ٢ ، « الفقيه » ج ١ ، ص ٥٩ ، ح ١٣٢ ، باب : فيمن ترك الوضوء أو بعضه أو شكّ فيه ، ح ٤ ، « الخصال » ص ٤١٧ ، ح ٩ ، رفع عن هذه الأمّة تسعة أشياء ، « وسائل الشيعة » ج ٤ ، ص ١٢٨٤ ، أبواب قواطع الصلاة ، باب ٣٧ ، ح ٢.
(٢) الطوسي في « الخلاف » ج ٣ ، ص ٤١٠ ، مسألة : ٢٣ ، « سنن الدار قطني » ج ٣ ، ص ٢٦ ، ح ٩١ ، « مسند أحمد » ج ٥ ، ص ٧٢ ، « سنن البيهقي » ج ٦ ، ص ١٠٠ ، باب : من غصب لوحا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارا.
(٣) « تذكرة الفقهاء » ج ٢ ، ص ٤٢٨ ، فيما يشترط في الواقف.