وقد عرفت ممّا ذكرنا أيضا أنّه لا انفكاك بين عنوان إنبات اللحم وشدّ العظم ، بل هما متلازمان ومعلولان لعلّة واحدة. وهي وصول الدم الذي تحوّل إليه الغذاء الواردة إلى المعدة بعد طبخها وهضمها فيها إلى كلّ جزء من أجزاء البدن ، فيحصل من هذا الوصول أمران : أحدهما إنبات اللحم ، ثانيهما شدّ العظم ، ولا يمكن أن يتخلّف أحدهما عن الآخر ، وإلاّ يلزم تخلّف المعلول عن العلّة.
نعم تقدّم : أنّ لازم هذا البيان أنّ الرضعة الواحدة ، بل المصة الواحدة تكون كافية في التحريم ، كما ذهب إليه جمع من أهل الخلاف ، والقاضي نعمان المصري منّا (١).
وقد أجبنا عن ذلك : بأنّ الموضوع للحكم ليس هو مطلق الإنبات والشدّ ولو كان بالدقّة العقليّة ، بل ما هو مصداق بنظر أهل العرف من أهل الخبرة بواسطة انصراف الإطلاق إلى ذلك ، أو من جهة أخبار التقدير بالزمان والعدد.
فلا حاجة إلى ما ذكره شيخنا الأعظم قدسسره من أنّ مقتضى النصوص المذكورة هو اعتبار تحقّق كلا الأمرين واجتماعهما ، أي : إنبات اللحم وشدّ العظم (٢) ، لما ذكرنا من تلازمهما وعدم انفكاكهما. نعم لو لم يكن بينهما تلازم كان ما ذكره قدسسره وجيها.
ولم يكن وجه لما ذكره شيخنا الشهيد قدسسره (٣) لأنّ عطف شدّ العظم على إنبات اللحم بالواو يدلّ على ذلك.
وينفي ما ذهب إليه الشهيد قدسسره من الاجتزاء بكلّ واحد من الأمرين ، وذلك لأنّ مفاد العطف بالواو هو الجمع.
ثمَّ إنّه لا وجه لاحتمال أن يكون المراد من إنبات اللحم والدم ، أو إنبات اللحم وشدّ العظم قابليّة الطفل لأنّ يصير كذلك بالارتضاع لو لم يكن عروض عارض وطروّ
__________________
(١) تقدم راجع ص ٣٤٣ ـ ٣٤٤.
(٢) « كتاب المكاسب » ج ٣٧٨.
(٣) « مسالك الأفهام » ج ١ ، ص ٣٧٢.