وأمّا الدليل على أنّ الضمان بالقيمة في القيمي وفي المثلي بالمثل ، فتارة يتمسّك بالإجماع ، وحاصله اتّفاق فقهائنا كافّة على أنّ الضمان في الضمان الواقعي في المثلي بالمثل ، وفي القيمي بالقيمة. وأمّا في ضمان المسمّى فهو نفس المسمّى ، قلّ أو كثر.
ولكن أنت خبير بأنّ الاستدلال في أمثال المقام بالإجماع لا يخلو عن الإشكال والمناقشة ، لوجود المدارك المتعدّدة من الآية والرواية.
وأخرى : بالآية الشريفة ، وهي قوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (١) ولا شك في أنّ الاعتداء بمثل ما اعتدى عليه في المثليّات هو المثل ، بل يمكن أن يقال إنّ الآية نصّ في ذلك.
وفيه : أوّلا أنّ كلمة « ما » في ( بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون مصدريّة لا موصولة ، فيكون معناها : أنّ الله تعالى أمر بالاعتداء بمثل اعتداء المعتدي ، فالمماثلة في نفس الاعتداء ، لا في الشيء الذي وقع الاعتداء عليه ، فتكون هذه الآية نظير قوله تعالى ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ) (٢) حيث أنّه ظاهر في أنّ المماثلة في كون الجزاء أيضا سيّئة لا فيما يجزى به ، ولذلك قلنا إنّ إطلاق السيّئة ها هنا على الجزاء من باب صنعة ـ المشاكلة.
والاستدلال بها مبنيّ على أن تكن كلمة « ما » موصولة ، ويكون المراد منها أنّ الشيء الذي تعتدون به على المعتدي الأوّل يكون مماثلا للشيء الذي هو اعتدى به عليكم ، ولو لم يكن ظاهر الآية هو الاحتمال الأوّل ، فلا أقلّ من أن يكون سببا لإجمالها من هذه الجهة ، فلا يصحّ الاستدلال بها.
وثالثة : بما ذكرنا من أنّ ذلك مقتضى نفس أدلّة الضمان الواقعي ، ومنها : قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ». ومنها : قاعدة الإتلاف ، وهي قولهم : « من أتلف
__________________
(١) البقرة (٢) : ١٩٤.
(٢) الشورى (٤٣) : ٣٩.