تفصل بين أول ما نزل
من الوحي وآخر ما نزل منه. فالقرآن الكريم وهو نص الوحي
الإلٰهي إلى النبي صلىاللهعليهوآله
طيلة هذه المدة تميَّز عن جميع كتب الأنبياء السابقين ، فافترقت شريعته عن شرائعهم بهذه الميزة الفريدة إذ جاءت متدرجة متفرقة طيلة مدة التشريع. فما وصل إلينا من ذكر شرائع من سبق من
الأنبياء مستفاداً من القرآن الكريم والأخبار يصوّر لنا بما لا يقبل الشك والجدل أن كلاً منها نزلت على صاحبها ، وحده متكاملة في وقت واحد وأحياناً في موقف واحد ، وهذا الحال ينطبق على شريعة نوح التي عبَّر عنها القرآن الكريم بما أوصى به ، وكذلك على ما كان من شرائع إبراهيم المعبّر عنها بالكتاب ، والصحف وشريعة موسى النازلة دفعة واحدة وعبّر عنها بالتوراة ، والألواح والكتاب والنازلة دفعة واحدة في موقف التكليم على طور سيناء ، كما ينطبق على شريعة عيسى المعبّر عنها بالإنجيل (١). قال تعالى : (
شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ) (٢).
ومما يؤكّد هذا التفريق الواقع في الوحي المحمدي ويثبته ويعلّله هو طعن بعض الكفار من قريش أو اليهود خاصّة في الوحي المحمدي ( القرآن ) بسبب هذا النزول المتفرق مما يرونه دليلاً على عدم صدوره عنه تعالى ، فهم يرون أن ما يدل على إلهية شريعة ما هو نزولها وحدة واحدة متكاملة ، قال تعالى : (
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً
كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ ________________
(١) مفاتيح الغيب ٢٤ : ٧٨.
(٢) سورة الشورى : ٤٢ / ١٣.