وهذه المدارسة للوحي ومتابعة نزوله وحفظه إنّما تتم ضمن إطار تعهده تعالى بحفظ هذا الوحي ( القرآن ) وإعانة الرسول صلىاللهعليهوآله بتثبيته في قلبه وإعانته في جمعه بعد أن كان الرسول صلىاللهعليهوآله يحاول أن يتابع هذه الحالة بأقصى اهتمام ممكن ظهر جلياً حتى في أثناء تلقيه للوحي بترديده نصوص الوحي النازل مع الملك ، وهو ما نزلت الآية مصداقاً له وتعهداً بحفظه آمرةً للنبي أن يتفرغ كلية لعملية التلقي ويترك ما سوى ذلك لتسديده وعونه تعالى لكي لا تتشتّت جهوده إلى غير عملية التلقي قال تعالى : ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) (١).
وتأكد هذا الحفظ الإلٰهي لنصوص الوحي المعجزة بتعهّده بحفظه إلى يوم يبعثون قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢).
٦ ـ إنّ جميع ما يتّصل بظاهرة الوحي من حيث أهمّ عناصره اللغوية كالخفاء والسرعة والإشارة والرمز وغيرها. كان هو صلىاللهعليهوآله شخصياً يَعي ما يُراد منها وعيا كاملاً. كلّ هذه الأُمور تدلّ دلالة واضحة على أن هذا الوحي إنّما كان كلاماً سماوياً غير مادي ، وليس للحواس الظاهرية والعقل أن تصل إليه ، وإن إدراك الرسول صلىاللهعليهوآله له تمثل في قوى ربانية خاصة تتصل بالعصمة أمَّنَتْ له الاصطفاء من بين الناس وإدراك تلك الأوامر الإلهية والدستور الغيبي التي تلقى من خلالها شريعته التي كُلِّف بتبليغها.
فالرسول صلىاللهعليهوآله كان يتلقّى الوحي من الملك ويدرك وجوده ويسمعه ويراه ولكن ذلك كلّه لم يكن بالأدوات الحسية الظاهرية كما هو الحال مع كل بشر
________________
(١) سورة القيامة : ٧٥ / ١٦ ـ ١٨.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٩٨.