على من طَعَن بأنّه كيف يكون النبيّ بشراً وأنّ الآية نزلت ردّاً على هذه الشبهة.
كما لا يُضعف ذلك الاستدلال ما قيل أنّ الآية لم تمنع النبوة في النساء وإنّما منعت الرسالة لأنّ منطوق الآية حصر في الرجال الرسالة وليس النبوة.
ويرد عليه : إن الرسالة شملت هنا معنى النبوة والرسالة عموماً وهو ما عليه القرآن الكريم في مواضع عديدة كقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إلّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ ... ) (١) ، و ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) (٢). وواضح أنّ الرسل في الآيتين أريد بهم عموم الأنبياء والرسل عليهمالسلام.
وأما ما كان من وحي إلى أم موسى فالأقرب إلى الصواب أنّه كان على سبيل الإلهام والقذف في نفسها ، ولا دلالة في التعبير عنه بالوحي على النبوة ، لأنّه لم يرد في ظاهر الكتاب ما يحصر مصطلح الوحي ـ لفظياً ـ على ما كان للأنبياء فقط وإنّما العكس هو الصحيح ، إذ ورد ذكر الوحي ملقى إلى غير الأنبياء بل غير البشر كالحيوانات والجمادات ، فلو كان كل تعبير بـ ( الوحي ) يدل على النبوة لكانت للنحل والجمادات نبوة .. وما يجب بيانه بوضوح هنا تأكيد النعمة الإلهيّة التي خصت أولئك النسوة بهذه الميزة الجليلة في كونهن متلقيات للوحي أو مُخاطبات للملائكة وهو أمر لا يمكن تهوينه ، وأبلغه أن إثبات معاينة مريم عليهاالسلام للملك ومخاطبتها له فيما دلّت عليه الآيات ( يثبت أنها مُحَدّثة ) (٣) أي قادرة على فهم ما يلقى في روعها من كلمات الإله
________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٠.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ٣٨.
(٣) الميزان ٣ : ٢٠٩.