في قرب أجله وتحديد
موعده ، واعتراض عبد الرحمن بن محمد ـ صديق القاسم ـ حين اطلع على أصل التوقيع ، واحتجاجه بقوله تعالى : (
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ) « فضحك القاسم وقال له : أتمّ الآية : (
إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ )
، ومولاي عليهالسلام
هو الرضا من الرسول » (١). نعم اختصاص الوحي بالأنبياء دون
أوصيائهم لا إشكال فيه ، وأمّا الاصطفاء فهو للأنبياء والرسل والأوصياء ، وهذا الاصطفاء لنفر من البشر لابدّ له من علة اقتضت التخصيص بلطف إلٰهي لم يلتزم المساواة بين العباد ، بل فرق في إسباغه على هؤلاء النفر الذين تمثلت فيهم استعدادات خاصة سمت بها نفوسهم عن مستوى النفوس البشرية الأخرى في التنزه عن الأدران والعصمة عن الخطايا والأخطاء والنسيان والكذب والافتراء والهوى والزيغ ، فعاد علم الغيب أمراً إلهياً بالاختصاص ، لا دخل فيه للكسب والسعي في النظر والتعلم والاستدلال. ولا سبيل إليه باجتهاد الفكر وإعمال
العقل وإنعام النظر ، ولا وصول إليه بالترقي الروحي أو الأخلاقي. ومن هنا يثبت انتفاء علم الغيب عن غيره
تعالى إلّا بتعليمه هو عزّ وجلّ وهذا الاختصاص فيمن يُلقى إليه الغيب وحياً مرتبط إذن باستعداد فطري اختص به الأنبياء عليهمالسلام
يتمثّل في العصمة ، فهم ( يجب أن يكونوا معصومين أي : لا يخطئون في تلقي الوحي من العالم العلوي ، وفي إبقاء ما تعلموه وفي تبليغه .. ) (٢)
لأنّ إطْلاعهم عليه خارج عن كل ما يدخله في إطار الكسب أو السعي. ________________
(١) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٣١٠ ـ ٣١٢ / ٢٦٣.
(٢) القرآن في الإسلام / الطباطبائي : ١٠٦.